مشروعات تفطير الصائمين .. هل بلغت هدفها؟!

لا يشك أحد في نبل الهدف، وصدق النوايا، لدى المتبرعين بقيمة وجبات تفطير الصائمين في شهر رمضان، سواء التي يتم تقديمها مباشرة في سرادقات تقام جوار المساجد، أو التي توزع عند إشارات المرور، أو عن طريق التبرع لبعض الجهات التي تقوم بتوفير ذلك، وهو مظهر مصاحب لشهر رمضان في هذه البلاد يدل على أن عمل الخير سيظل صفة من صفات أهلها إلى ما شاء الله!
بيد أن المتأمل لذلك كله، وما يصاحبه من مبالغة في توفير المواد الغذائية، ونوعية الأفراد الذين يرتادون تلك الموائد، لابد أن يثور لديه أكثر من تساؤل حول مدى بلوغ الهدف الذي يتوخاه المتبرع، وهل لا يوجد من هم أكثر حاجة ممن تقدم لهم هذه الوجبات في الوقت الحاضر؟!
لقد مررت على أكثر من سرادق في طريقي إلى المسجد، وخرجت بانطباعات لابد من تدوينها كتمهيد لما سأخرج به من مقترحات آمل أن تأخذ طريقها للمناقشة، بغية تحري الأنسب والأفضل فيما نقوم به من أعمال نقصد بها وجه الله!
1 ـ يغلب على هذه الموائد طابع المبالغة والإسراف في الكميات والنوعيات، ولقد رأيت العمال وهم يجمعون مواد غذائية لم تمس في علبها وأوعيتها، ويلقون بها في أوعية المخلفات الكبيرة، التي تنصب بجوار كل خيمة وسرادق.
2 ـ أن رواد هذه الموائد هم من العمال الذين يعملون ولهم دخول ثابتة، وليس من بين من يستفيدون من هذه الموائد من ليس له دخل ثابت.
3 ـ ليس من بين من يستفيدون من هذه المواد مواطنون؟! إذ إن المواطن بطبيعته يأنف من الجلوس إلى موائد لم يدع إليها، أو يرى نفسه يزاحم غيره، حتى وإن كان يوجد من هم في أمس الحاجة، وهو أمر واقع.
4 ـ أن بعض المتبرعين، جزاهم الله خيرا، يكون آخر عهده بتبرعه عندما يتعاقد مع الجهة التي تقوم بتوفير مواد الإفطار، ولا يحضرها أو يعلم ما يجري فيها من نسف لجزء كبير منها في أوعية المخلفات، ذلك أنه يتناول إفطاره في منزله بعيدا عنها.
5 ـ رغم أن وزارة الشؤون الإسلامية لاحظت بعض المخالفات في التصرف في حصيلة التبرعات في غير أوجهها الصحيحة، وبخاصة عندما تدفع تلك التبرعات نقدا، وقامت الوزارة بالتنبيه والتحذير من جمع التبرعات باسم تفطير الصائمين، فإن الشك مازال يغلّف التبرعات التي تدفع نقدا، ويُدعى لها في صورة إعلانات أو مطويات توزع مع الصحف المحلية.
6 ـ يوجد من بين المواطنين من هم أكثر حاجة للتفطير من هذه العمالة التي تملأ الشوارع، وعلى من يريد فعل البر على حقيقته أن يذهب للمحافظات والقرى في الشمال والجنوب والمناطق النائية في المملكة، فهناك الكثير ممن لا يجسر على السؤال حتى وإن أفطر على الماء!
نخرج من هذا أن التبرع في أوجه الخير لا يبلغ هدفه إلا بالتحري والتأكد من وصوله لصاحب الحاجة، ولا يكفي في هذا أن يقوم المتبرع بإيكال الأمر إلى فرد أو مطعم يقيم له سرادقا في أكثر الأحياء ترفا، خاصة إذا كان يعلم أن هناك مواطنين قابعين في بيوتهم تقهرهم الحاجة وينهرهم الحياء عن السؤال!.. لماذا لا يسعى المتبرع إلى البحث عنهم وإيصال تبرعه إليهم، وإذا كان يجهل السبيل فهناك جمعيات خيرية منتشرة في كل المحافظات والمراكز، وهي أكثر حماسا وإخلاصا من غيرها، وعلى افتراض أن ثمة صعوبة في الوصول إلى المحتاجين من المواطنين، وهو افتراض ينفيه ما ذكرناه، ألا يرى الإخوة المتبرعون تلك الصور الحية المؤلمة في القنوات التلفزيونية لأطفال لا يكادون يتحركون من الوهن بسبب الجوع؟!..، ألا تهتز مشاعرهم لتلك المناظر؟! خاصة إذا كانوا من دول إسلامية كالسودان والصومال؟! وأيهما أبلغ في الأجر أن يذهب جزء من الموائد التي تهدر هنا إلى تلك الفئات؟ أم يلقي بها في أوعية المخلفات، وأي أجر ينتظر، لما وصل إليه الحال في بعض السرادقات من انتهاك لحرمة النعم، وهو حال لا يسر، ناهيك عن النذر بعقوبة الكفر بالنعمة!..، وهذا يحدث والجميع يعرف أنه لا يجوز إلقاء قطعة خبز مع المخلفات وهناك فقير في حاجة إليها، فما بالك بأنواع من الأطعمة، كاملة وليست فضلات!
إن ما يجري في هذا الجانب في بعض المدن في المملكة، وهو ما تواترت الكتابات عنه في الصحف المحلية هذه الأيام، يكاد يبتعد عن أهدافه، وينقلب إلى مباهاة وإسراف، ويتحول في بعض مظاهره إلى إهدار للمال، وكفر بالنعمة، والإسهام في إحداث أزمة ببعض المواد، كما أن فيه تجاهلا للمحتاجين الحقيقيين، ويحتاج إلى تنبيه من العلماء وخطباء المساجد إلى ما يجوز وما لا يجوز، والتحذير من مغبة الإسراف والمبالغة، وإرشاد المتبرعين إلى أكثر أوجه الخير استحقاقا، واحتمالا للقبول والأجر من الله. كما يحتاج من الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها وزارة الشؤون الإسلامية، إلى مزيد من المتابعة والإشراف والتوجيه، والرصد وجمع المعلومات عن مقدار ما ينفق في هذا السبيل، ونسبة ما يهدر منه، وذلك تمهيدا لتنظيمه ووضع تعليمات وإرشادات لكيفية مباشرته والاستفادة منه، بهدف تنقيته مما يشوبه من مخالفات، والابتعاد به عما يسيء إليه. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي