كـذبـة رمضـان

[email protected]

ما إن يدخل شهر الخير والبركة شهر رمضان الكريم إلا وتجد كثيرا من الناس قد هيأوا أنفسهم إلى أن الإنجاز في هذا الشهر سيكون أقل وأن الإنتاجية في هذا الشهر ستضعف، بل إن هناك العديد من المهام والإنجازات قد تؤجل شهرا كاملا إلى ما بعد شهر رمضان المبارك بدعوى أننا في شهر العبادة والصيام، وتؤيد هذا التوجه بعض القرارات الأخرى كتخفيض ساعات العمل وتغيير مواعيد النوم وغيرها من التغييرات التي تحدث في كثير من شؤون حياتنا بدعوى أننا في شهر رمضان.
ولاشك أن للصوم تأثيره في الجسم، كما أن لقيام العشر الأواخر دورا في إحداث تغيير في برنامج كل فرد، غير أن دعوى أن الإنتاجية تقل في هذا الشهر هي دعوى باطلة، فشهر رمضان هو شهر الفتوحات والانتصارات والإنجازات، ففيه كانت غزوة بدر وفتح مكة وفتح بيت المقدس ودخول مصر وبدأ فيه فتح الأندلس وعمورية وصقلية والقادسية وعين جالوت وغيرها الكثير والكثير من الفتوحات، التي كانت تحتاج إلى جهد ومشقة، وإذا تجاوزنا هذه المرحلة ونظرنا إلى وقتنا الحاضر فسنجد أن الناس اليوم وعلى الرغم من صيامهم فإنهم يذهبون إلى أعمالهم في الصباح على الرغم من سهر البعض وهم يعملون حتى العصر ثم يعودون للإفطار ثم الصلاة ثم مزاولة أعمال أخرى وبعضهم يسافر وآخرون يقومون بالعديد من المهام ومع ذلك فإنهم على مستوى عباداتهم أحرص من الشهور الأخرى فهم يقرأون القرآن ويحرصون على معرفة المواعيد الدقيقة للسحور والإفطار ويحرصون على حضور صلاة الجماعة في المسجد فترى المساجد ممتلئة، كما يحرصون على الإكثار من ذكر الله والذهاب إلى مكة المكرمة لأداء عمرة في رمضان إضافة إلى اهتمامهم بتقديم الصدقات وإخراج زكاة المال، بل إن الإنجاز يتجاوز هذه الأمور بحيث يحرص الإنسان على مراقبة ألفاظه ومـا ينطق به من كلام ويصبر على أذى الآخرين فإن شتمه أحد رد عليه (إني صائم)، هذا على صعيد العبادات وهناك أمور أخرى مثل الزيارات الاجتماعية وحضور العزائم وزيارة الأقارب وبعض الناس يعمل في رمضان على التحضير للعيد فيحرص على تجهيز الهدايا أو تغيير بعض أثاث المنزل أو غيرها من الأعمال الأخرى.
لقد سيطر على تفكير الناس أن شهر رمضان هو شهر النوم والكسل والإنجاز المحدود في حين أن ما يحدث على أرض الواقع هو عكس ذلك، ولو استطاع الإنسان الجاد أن يقيس متوسط إنتاجيته في الشهور الأخرى ويقارن ذلك بإنتاجيته في رمضان لوجد أن إنتاجية رمضان أفضل بكثير قياساً على ظروف الإنسان الخاصة بالصيام وتغيير مواعيد الدوام، بل إن ساعات نومه أيضاً تكون أقل من الأيام العادية، ومع ذلك فتجد إنتاجيته أكثر.
حديثي اليوم عن الذين يريدون أن يحدثوا تغييرا في أنفسهم من خلال شهر رمضان ويستفيدوا من هذا الشهر ومن هذه الدورة الرمضانية المكثفة في أن يغيروا منهج حياتهم ويؤثروا فيمن حولهم بل يحدثون تغيير في واقعهم من خلال ما يقدمونه من نتائج عن أعمالهم، أما أولئك الذين كانوا ينتظرون رمضان بفارق الصبر ليحظوا بساعات أقل في الدوام وساعات أطول للنوم وليجعلوا من هذا الشهر شماعة لمزيد من الكسل والتراجع فهذا شأنهم ولن يغير رمضان شيئاً فيهم، فهم اعتادوا على هذا السلوك من السابق وسيواصلون السير على هذا النهج مستعينين بشهر رمضان.
إن لشهر رمضان بركة يشهد بها الجميع وللإنجاز فيه حلاوة لا ينساها الجميع فحري بنا أن نرفع عن هذا الشهر كل اتهام وأن نجعله شهر الإنجاز والإتقان والإحسان وأن يكون للناس واحة خضراء يستظلون فيها ليقدموا لأمتهم ومجتمعهم مزيداً من الإنجاز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي