أجل.. إمام الحرم!

[email protected]

ما من مرة قرأت أو اطلعت على رأي لكاتب أو أديب أو خطيب أو حتى مسؤول أو مفوه إلا وبحثت من خلاله عن الفائدة والتعلم، لكن هناك رأيا قد تجد فيه الحدة وآخر اللين، وثالثا يتجاوز الحقيقة أو لم يستطع إدراكها، وفوق ذلك رأي حصيف مفيد، لكنه يجنح إلى العاطفة أكثر من الحاجة ومثل هذا الرأي كان في خطبة جمعة، وفي الحرم المكي الشريف.. لا.. وممن ؟.. من أحد أعلام هذا البلد في زمننا الحالي، ألا وهو الشيخ الدكتور صالح بن حميد.
بلا شك فقد تعودنا من هذا الرجل نيل الفائدة وجلب المنفعة، وحسبي أنه من المثقفين المدركين، وبما جعله علمه وقوة بيانه رئيساً لمجلس الشورى.
في خطبته قبل أسبوعين تحدث عن دعوات موجودة لتعجيم اللغة وهنا مقتطفات مما قاله في هذا الشأن:
"اللغة الأجنبية طاردة للانتماء وهي احتلال عقلي في الشعوب وفي ذلك ضياع للأمة ومقدمة طبيعية لفنائها واستئصالها.
الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا في التعليم باللغة الأجنبية واهمون ثم واهمون.
كثير مما يسمى بالعالم الثالث ممن يتحدث لغة الأجنبي، هذه الشعوب الممسوخة هي من أكثر الشعوب تخلفا وأشدها فقرا وأكثرها حاجة وقبولا للمساعدات الخارجية المشروطة".
وختم إمام المسجد الحرام بالقول: "إن الحديث ليس عن أهمية اللغة الأجنبية وتعلمها والاهتمام بها، فذلك لا مانع منه وأهميته وفائدته ظاهرة والحاجة إليه قائمة ولاسيما لبعض الفئات والمجالات، كما أن الدعوة إلى التمسك باللغة الأم ليست دعوة إلى التقوقع والانغلاق والانكفاء على الذات وليست دعوة إلى منع تعلم لغة أجنبية أو أكثر ولكنها دعوة إلى منع التعليم بها. فتعلم اللغة الأجنبية شيء وقلب مناهج التعليم ومواده لتكون بغير لسان الأمة ولغتها شيء آخر، بل هذا مضر ماسخ للهوية والسيادة والقوة والعزة والاستقلال".
أبدأ من حيث ما انتهى إليه إمام الحرم، فالفائدة في تعلم اللغة الأجنبية ظاهرة، وهذا هو مربط الفرس، فكيف إذا كانت هذه اللغة (أي الأجنبية الإنجليزية) هي لغة التفوق والتقنية والعلم الحديث، بل والثورة الصناعية والاكتشافات بكل أوجهها، مما جعلها لغة التواصل حتى في الأشياء العلمية الدقيقة جداً وبما أكدها لتفرض نفسها فرضاً على من هم في الشرق والغرب، بل إن الدخول في سلك التطور والارتقاء والتواصل مع العلم بات يمر من خلال هذه اللغة أولا.
وعلينا أن نعترف بأن اللغة العربية لم تعد هي لغة العلم، بعد أن كانت هي السيدة والمسيطرة لقرون عدة، في وقت كان من أراد النور والارتقاء فليتعلمها، كما كانت المفضلة لكثير من الشعوب والأجناس كفارس والأندلس ودول الغرب الإسلامي وجزء من أوروبا. ولقد انتقل كثير من المؤلفات والمصنفات إلى أوروبا باللغة العربية والسبب الأساس أنها كانت لغة العلم المسير لحاجات الناس وسط تعاليم ربانية وهدي نبوي تنشرها هذه اللغة.
بيد أن تخلي المسلمين العرب عن تلك التعاليم الربانية والهدي النبوي ورضاهم بأن يكونوا تابعين لا متبوعين، جعل منهم متلقين، لا منتجين، وبما أضعف لغتهم وجعلها في مراتب متأخرة من حيث الترتيب الإنتاجي الخاص بالعلوم والمخترعات.
أقول إن الأوروبيين وهم أسياد الحضارة الآن لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن تعلموا اللغة العربية بآدابها وعلومها واستقوا منها كل ما يفيد في انطلاق حضارتهم التي بهرت وما زالت تبهر. وعليه فهم الآن من نحتاج إلى علمهم، كي نستعيد قوتنا ومن ثم نعيد الوهج للغتنا.
فضيلة الشيخ : لا شك أن اللغة العربية وعبر التجربة التاريخية قد أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك أنها صالحة كي تكون مصباً للعلم والتكنولوجيا، وتكون أساسا ومنبراً لها، ويكفي أنها لغة القرآن، تلك اللغة الجزلة بألفاظها العظيمة بمعانيها، الغنية بآدابها، وفوق ذلك كله لغة القرآن الذي أنبأ عن معظم ما نراه الآن من علوم ومخترعات.
أجل.. فضيلة الشيخ: دعوات الرفض –كما ولا شك يعلم سماحتكم- لكل ما يفيد هي في حد ذاتها تضر ولا تنفع، لكن حق لنا أن نأخذ من الآخرين ما يفيدنا، ولن نفعل ذلك إلا إذا تعلمنا لغتهم وتمكنا منها وجعلناها أساسا في مناهجنا، على ألا يصدنا ذلك عن لغتنا، ولا يؤثر هذا في ثوابتنا وأخلاقياتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي