الخدمات الصحية في الميزان
كثر الحديث هذه الأيام عن الخدمات الصحية العامة, واتفق معظم من تكلم وكتب على أنها خدمات متدنية كثيرة الأخطاء ومكلفة لخزانة الدولة دون طائل. وعند الحديث عن تلك الخدمات لا بد من تحليل أهم السلبيات التي أراها ويراها غيري, وأهمها تدني مستواها وعدم المقدرة على الحصول عليها لأسباب كثيرة وأنا هنا أتحدث عن خدمات وزارة الصحة التي نشرت عنها دراسة قبل سنوات في صحيفة "الوطن" خلصت فيها إلى أن نصيب الفرد أو المواطن من ميزانية الوزارة آنذاك يكفي للتأمين عليه صحيا لدى أفضل شركات التأمين الصحي وبخدمات توازي ما يقدم لموظفي شركتي أرامكو والاتصالات وغيرهما في حين أنه اليوم لا يستطيع الدخول إلى مستشفياتها دون إجراءات مطولة تبدأ في المراكز الصحية ولا تنتهي في المستشفيات نفسها، وقد لا يعلم من سن أو اقترح تلك الإجراءات أن وزارته تؤدي خدمات إنسانية أهم ميزاتها السرعة والجودة, فهي لا تحتمل التأخير ولا تستوعب الروتين الذي تعود مسؤولو الوزارة عليه.
وبعد ارتفاع ميزانية الوزارة في السنتين الأخيرتين لا أشك أبدا في أنها ـ أي الوزارة ـ تستطيع أن تقدم خدمات راقية ومتميزة وسريعة لجميع المواطنين إذا ما عرفت كيف تستغل تلك الأموال، لكن الوضع ظل على حاله، ففي حين ينبغي لكل مستشفيات الوزارة استقبال جميع الحالات فورا ودون نقاش وبمعزل عن أية أسباب أخرى داخلية نجد أن كلمة لا يوجد سرير أو لا توجد حاضنة أو أين التحويل متداولة, وكأن تقديم المساعدة الطبية سلعة تباع وتشترى ومنزوعة من الإنسانية. أما أن تقوم الوزارة عن طريق مستشفياتها ومراكزها الصحية بمتابعة الحالات المرضية مثل السكري والضغط والقلب فهو أمر شبه مستحيل عكس جهات صحية أخرى ظلت رغم قلة إمكاناتها تقدم خدمات تواكب متطلبات هذه المهنة وتتماهى مع الخدمات في كثير من الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال خلال أكثر من عشر سنوات ظلت مستشفيات جامعة الملك سعود, وهما مستشفى الملك عبد العزيز والملك خالد تقدم رعاية فائقة المستوى لوالدتي وفي جميع التخصصات الطبية دون حاجة لمراجعة مسؤول ولم تتوقف خدماتها منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، بل إن قيمة الأدوية التي تصرف لها شهريا تزيد على 1500 ريال, وهذا أن دل على شيء فإنه يدل على تفوق الإدارة الإدارة والطبية في مستشفيات جامعة الملك سعود على نظيراتها في مستشفيات وزارة الصحة.
لا أستطيع تفسير أن يكون في مدينة مثل الرياض يسكنها نحو خمسة ملايين نسمة عدد أسرة بالكاد يكفي لمدينة مثل الطائف؟ ولا أعلم كيف توزع الوزارة ميزانيتها الضخمة؟ وهل تأخذ في الاعتبار عدد السكان عند إقامتها أي مستشفى جديد أم لا؟ لأنني أعتقد أن مدينة الرياض تحتاج إلى عشرة مستشفيات ضخمة على الأقل في حين أن الوزارة تبني مستشفيات في مدن لا يزيد عدد سكانها على 50 ألف نسمة.
مهما طالعتنا الوزارة بأخبار إنجازاتها فإن الانطباع العام لدى كثير من المواطنين لن يتغير لأنهم ما زالوا يذهبون للمستوصفات والمستشفيات الخاصة ويدفعون من جيوبهم رغم ميزانية الوزارة الضخمة التي لا يعلمون أين تذهب.
أتمنى من الوزارة أن تحسب نصيبي ونصيب أسرتي من ميزانيتها وتقدمه لي وأنا أتكفل بالخدمات التي تقدمها لي ولأسرتي التي لا أتذكر طيلة أكثر من 15 عاما أنني استفدت منها ومثلي الكثير من الناس، الذين يستنجدون بالخدمات الصحية التي تقدمها الجهات الأخرى مثل الجامعات ووزارة الدفاع والحرس والأمن العام، إضافة لما تقدمه شركات القطاع الخاص لموظفيها، ولو اقتصرت الخدمات الصحية على الوزارة لأصبحنا في كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة, والله المستعان.