الخطوة الإضافية لنجاح "سنابل السعودية"
أصدر مجلس الوزراء في منتصف تموز (يوليو) الترخيص بتأسيس شركة مساهمة سعودية باسم الشركة العربية السعودية للاستثمار (سنابل السعودية)، وتشمل أنشطة الشركة القيام بالاستثمار في أية أصول رأسمالية أو حقوق عينية والاستثمار في الأسهم والسندات والتعامل في الأوراق المالية بمختلف أنواعها والاستثمار العقاري والاستثمار في العملات الأجنبية والمعادن والسلع وإدارة المحافظ الاستثمارية. وحسب معالي وزير المالية السعودي فإن الشركة ستكون شركة حكومية تابعة لصندوق الاستثمارات العامة، برأسمال قدره 20 مليار ريال، وستتم زيادته إذا استدعت الحاجة إذا رأى مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة ذلك. وحسب تصريح معالي الوزير العساف لهذه الصحيفة في 15 تموز (يوليو) فإن الصندوق سيظل الذراع الاستثمارية الأساسية للدولة وستعزز قدراته المالية من خلال الدخل المتحقق من الاستثمارات القائمة حاليا مثل حصصه في السكة الحديد أو مشاريع التحلية أو عدد من شركات القطاع الخاص. وقال وزير المالية إن شركة سنابل السعودية ستضيف بعدا جديدا ومرونة إضافية للاستثمارات الحكومية، وستكون أداة للربط بين اقتصاد المملكة والشركات العالمية الكبرى في جوانب نقل التقنية والتسويق وغيرها. وتابع الدكتور العساف يقول إن الشركة الحكومية الجديدة ستوجه استثماراتها للداخل مع إمكانية الاستثمار في الخارج متى توافرت الفرص الاستثمارية المناسبة. وأكد معالي الوزير أن ما يجري تأسيسه هو شركة تابعة لصندوق الاستثمارات وليس صندوقا سياديا.
كل ما سبق هو تقريباً كل ما أعرفه حتى الآن عن "سنابل السعودية". فالهدف من إنشائها يبدو واضحاً في ذهن معالي الوزير، وكذلك اللجنة التي قامت بإجراءات تأسيسها. ومعالي وزير المالية يؤكد أنها ليست صندوقا سياديا، رغم أن بعض المسؤولين الحكوميين صرحوا في وقت سابق لوكالات أجنبية بأن المملكة تستهدف إنشاء صندوق سيادي وبرأسمال قدره 20 مليون مليار ريال، وهو رأسمال ضخم عند مقارنته بالشركات الاستثمارية العاملة في المملكة بما فيها البنوك. وليس لدي أدنى شك في وضوح الهدف من إنشاء هذه الشركة في ذهنية الوزير، إلا أن ما يقلق هو التضارب والتعارض في اعتبارها شركة استثمارية أو صندوقا سياديا، لأن ذلك قد يشوش على ذهنية إدارة الشركة، وخصوصاً عند وضع استراتيجية عمل الشركة، بما فيها خطة أعمال الشركة السنوية. فعدم وضوح الهدف من إنشاء الشركة - فيما إذا كان هدفها التركيز على الاستثمار المحلي أم الاستثمار المحلي بمعاونة استثمارات أجنبية ثنائية أو متعددة، أم أنها تتحين الفرص محلياً وخارجياً بمعاونة أجنبية أيضاً أو دونها - قد يؤدي إلى تعثر الشركة في تحقيق أهدافها.
إننا نشاطر المخاوف التي تساور صناع القرار من التشريعات التي بدأت الدول المتقدمة في تبنيها تجاه الصناديق السيادية، مما قد يفسر تأكيد الوزير على أنها شركة استثمارية بأهداف واضحة تعمل على جلب الاستثمارات للداخل مع إمكانية الاستثمار في الخارج، وليست صندوقاً سيادياً. الأمر الذي يجعلنا نشاطره مخاوفه من الناحية القانونية البحتة. ولكننا نعتقد أن التشريعات والتنظيمات التي تعمل الدول المتقدمة على اتخاذها تجاه الصناديق السيادية ترتكز على معايير سياسية أكثر من كونها معايير استثمارية تجارية، مما يجعل تلك التشريعات متى ما خرجت مطاطية ومرنة حسب رؤية السياسي الغربي لها. وقد تشمل تلك التشريعات أية استثمارات خلفها تملك حكومي ولو بنسبة ضئيلة، ومعاملتها معاملة الصندوق السيادي. لذا فإن المهم ليس في التسمية القانونية بقدر تفهم الدول الأجنبية لدور تلك الشركات الاستثماري. فالمعروف أن الصناديق السيادية الخليجية والآسيوية تتخذ أسماء تجارية استثمارية وليس اسم صندوق سيادي مثل هيئة أبو ظبي للاستثمار، وهي تعامل على أنها صندوق سيادي رغم أنها تستثمر داخل أبو ظبي وليس خارجياً فقط.
إن تبديد المخاوف من تعرض استثمارات الصناديق الاستثمارية لأية تشريعات منحازة ضد الصناديق السيادية أمر مطلوب، لكن من المهم أن نعرف ماذا نريد أن نعمله باستثماراتنا محلياً وخارجياً. فاستثماراتنا في الخارج – بما فيها الاستثمارات التي تقوم بها (سابك)، و(شركة الاتصالات) – سينظر إليها على أنها استثمارات سعودية، وعلى وجه الخصوص هي استثمارات حكومية سعودية، مهما كان اسم الاستثمار السعودي وتحت أي غطاء. لذا فإننا يجب أن نعمل على التأثير في تلك التشريعات والتنظيمات التي تتخذها الدول المتقدمة قبل صدورها، خصوصاً أن صندوق النقد الدولي يتعاون في هذا الشأن مع الدول المتقدمة. ولأن المملكة لاعب كبير في الاقتصاد العالمي، ولها تأثير وكلمة مسموعة في صندوق النقد الدولي، فإن لها دورا يجب أن تلعبه الآن لحماية استثماراتها المستقبلية في الدول الأخرى. إن اتخاذ مثل هذه الخطوة الإضافية من المملكة سيضمن حدا أدنى لنجاح "سنابل السلام"، ناهيك عن أن ذلك سيعزز دور المملكة الدولي، ويكسبها القبول والاحترام من قبل الصناديق السيادية الأخرى لدول الخليج والدول الآسيوية. ذلك لأنني أرى أن على "سنابل السلام" أن تركز على الاستثمار في الخارج، وتترك الساحة الداخلية لصندوق الاستثمارات العامة، وبذلك نتفادى التعارض والتضارب في الأهداف بين سنابل السلام وصندوق الاستثمارات العامة، ونؤسس الحد الأدنى لنجاح "سنابل السلام" في تحقيق أهدافها.