Author

آثار التضخم في القطاع العقاري

|
يُقصد بالتضخم زيادة كمية النقود مقارنة بالسلع المعروضة في الأسواق، مما يترتب عليه انخفاض القوة الشرائية لها؛ حيث ترتفع أسعار السلع والخدمات بشكل يؤثر في قدرة المستهلك على اقتنائها. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن التضخم قد ارتفع بمعدلات كبيرة ومتصاعدة في العديد من الدول ومنها السعودية؛ حيث نشرت صحيفة "الاقتصادية" في عددها رقم (5107) الصادر يوم 23 /9/ 1428هـ أن معدل التضخم في السعودية سجل أعلى مستوياته في سبعة أعوام بعد أن ارتفع إلى 4.4 في المائة في آب (أغسطس) 2007م من 3.83 في المائة في تموز (يوليو) 2007م. وبذلك يقترب معدل التضخم من معدل النمو الاقتصادي, أي أن معدل التضخم يأكل النمو الاقتصادي؛ وسبق أن نشرت "الاقتصادية" في عددها رقم (5070) الصادر في 29/8/2007م أنه حسب تقرير مصلحة الإحصاءات العامة أن ارتفاع معدلات التضخم في السعودية تزامن مع ارتفاع الإيجارات بنسبة 9.8 في المائة نتيجة لتنامي الطلب على العقارات, كما أن ربط العملة بالدولار الأمريكي الضعيف قد أسهم في تفاقم تكليف واردات السعودية من المواد الغذائية, حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى 59 في المائة. ولم تتوقف موجة التضخم في عام 2008م عند هذا الحد، بل تصاعدت حدتها بسبب تناقص القوة الشرائية للدولار، وارتفاع القوة الشرائية للعملات الأجنبية الأخرى مثل اليورو؛ ولذا فإن السلع الواردة من أوروبا قد ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، ومن ناحية أخرى فقد استمر الارتفاع في الإيجارات حيث تعرض المستأجرون لزيادة مماثلة لتلك التي تعرضوا لها في العام الماضي، وساعدهم على ذلك عدم وجود تنظيم قانوني يحكم العلاقة الإيجارية؛ ويضع ضوابط للزيادة السنوية في الإيجارات ولا يتركها لرغبة المؤجر. والحقيقة أن للتضخم آثارا سلبية اقتصادية واجتماعية مهمة، منها أنه يؤدي إلى إعادة توزيع الدخل القومي للدولة, فيؤثر في توزيع الأنصبة النسبية للشرائح الاجتماعية المختلفة من الدخل الوطني. حيث إن الأصل أن مستويات الأجور النقدية تتسم بالتغير البطيء الذي لا يُجاري حركة أسعار المستهلك, ما يترتب عليه أن النصيب النسبي الحقيقي للعاملين في الدولة والشرائح ذات الدخل المحدود والثابت يأخذ في التدهور مع اشتداد موجات التضخم؛ ما ينتج عنه حدوث تآكل حقيقي في النصيب النسبي للعاملين في الجهاز الحكومي من الدخل الوطني. وفي مقابل ذلك يرتفع النصيب النسبي لشرائح اجتماعية أخرى في الدخل الوطني, وهي تلك الشرائح التي تتسم دخولها بطابع التغير المستمر في غمار الموجات التضخمية المتتابعة, والتي تأخذ شكل الأرباح وغيرها من الدخول غير الثابتة أو ما يُعرف بعوائد أصحاب حقوق التملك. فقد أفادت الموجات التضخمية بعض الشرائح الاجتماعية، مثل كبار التجار وذوي الدخول المتغيرة غير الثابتة، وأضرت ضرراً بالغاً بشرائح اجتماعية أخرى وخاصة ذوي الدخل المحدود والثابت. كما أن من أهم الآثار الاقتصادية للتضخم أنه يؤثر في القطاعات الاقتصادية المختلفة, ولكن بدرجات متفاوتة؛ من ذلك مثلاً تأثيره في القطاع العقاري. فمن الملاحظ أن السعودية شهدت في السنوات القليلة الماضي طفرة غير مسبوقة من المضاربات العقارية، تمثلت في عمليات شراء وبيع الأراضي والعقارات من خلال المساهمات العقارية؛ حيث انتشرت بصورة واضحة عمليات تقسيم الأراضي والمساهمات العقارية, ما ترتب عليه ارتفاع أسعار المباني والعقارات في المدن، وزيادة الإقبال على الاستثمار العقاري نتيجة لزيادة معدل السكان, ونتيجة ارتفاع معدلات الدخول النقدية لبعض الشرائح الاجتماعية ونتيجة الارتفاع المتصاعد للقيمة الإيجارية، وعودة جزء مهم من رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة، واتجاه المستثمرين للبحث عن مجالات استثمار آمن بعيداً عن التقلبات الاقتصادية, خاصة بعد الانهيار الذي شهدته السوق المالية في السنوات الأخيرة. وقد ساعد على التوجه نحو الاستثمار العقاري أن هناك ثقافة سائدة في مجال الاستثمار العقاري مفادها أن العقار لا يموت بل يمرض فقط, أو أن أراضي البناء والعقارات مثل الذهب, أي أن الاستثمار في المجال العقاري يتمتع بميزة مهمة هي عدم الخسارة الكبيرة أو على الأقل أن المستثمر العقاري يرجح دائماً احتمال الربح أكثر من احتمال الخسارة. فضلاً عن أن اقتناء أراض للبناء وعقارات يُعد من أهم الأوعية الادخارية التي يحرص أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة على استثمار مدخراتهم فيها. فالمباني والأراضي من أهم الأصول التي توحي بالثقة والضمان الكافي للمستثمر, في حال انعدام روح المخاطرة وعدم وضوح الرؤية التنموية طويلة الأجل لديه. ولذا يفضلها فريق من المدخرين غالباً. ومع ازدياد حدة الضغوط التضخمية يزداد الميل الحدي لدى المستثمرين الصغار والمتوسطين إلى تفضيل العقار على النقد السائل, نتيجة انخفاض القوة الشرائية للأرصدة النقدية، والذي يعني اتجاهاً واضحاً للتخلص من النقود, والتي تعد أقل الأصول المتاحة جاذبية، وذلك نظراً لعجزها عن مواكبة حركة التضخم, ومن ثم تصبح الأراضي والعقارات بمثابة المخزن المفضل للقيمة, لأنه في ظل الظروف التضخمية هناك احتمال أكبر أن تتجه أثمان الأراضي والمباني إلى الارتفاع بمعدلات تفوق الزيادة التي تطرأ على هيكل أثمان السلع والخدمات بوجه عام. ونلاحظ أنه في ظل الارتفاع الجامح والمستمر لأسعار الأراضي والعقارات أن يختلط أثر المضاربة مع أثر التضخم البحت بطريقة يصعب الفصل بين هذين النوعين من الآثار. فضلاً عن ذلك فإن التضخم يُحدث آثاراً اجتماعية مهمة، إضافة إلى آثاره الاقتصادية, أهمها زيادة حدة الفجوة بين شرائح المجتمع؛ حيث يزداد الفقراء فقراً؛ ويُحقق عدد كبير من الأغنياء دخولاً كبيرة لأنهم يلجأون إلى تحميل المستهلك الزيادة في ارتفاع الأسعار والخدمات؛ بمعنى أن التضخم يُشارك مُشاركة فعالة في عدم العدالة الاجتماعية؛ فيصبح أداة غير مرئية للظلم الاجتماعي.
إنشرها