هل ندعها تخيس؟
صناعة الألبان الطازجة بدأت في المملكة بطرق بدائية، وشبه اكتفاء ذاتي لكل أسرة من حليب الأغنام والإبل والأبقار، التي تربى في المزارع أو بالقرب أو داخل المنازل منذ فترة زمنية طويلة، إلا أن هذه الصناعة لم تبدأ بشكل منظم إلا في أواخر الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي، وخلال فترات زمنية متفاوتة قامت هذه الصناعة، وتحقق لها الكفاءة في الإنتاج، وهي تعد ذات كثافة رأسمالية ولا تخلو من وجود بعض المخاطر التي من أهمها التقلبات الموسمية في غزارة الإنتاج من كميات الحليب الخام، حيث تزداد كمياته في موسم الشتاء نتيجةً لإدرار الأبقار، وقد يصاحب تلك التغيرات الموسمية تغير في الأسعار نتيجةً لارتفاع الكميات المعروضة في ظل انخفاض في الكميات المطلوبة وخاصةً في المشاريع الصغيرة، نظراً لقدرة المشاريع الكبيرة على تنوع وتميز الإنتاج مما يعني تولد مشكلة تسويقية للمشاريع الصغيرة. وتسويق منتجات الألبان الطازجة في المملكة مرّ بعدة مراحل متباينة ارتبطت بالأوضاع الاقتصادية للمواطنين والنمط المعيشي لهم، وباستعراض أهم المراحل الزمنية لتسويق هذا المنتج، فقد كان السكان في المملكة قبل سنة 1950م يحصلون على منتجات الألبان من الأبقار والإبل والماعز والضأن التي تربى في مزارعهم أو منازلهم، وفي الفترة من 1950 إلى 1970م بدأت تدخل إلى المملكة منتجات معلبة من أوروبا، وأستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأخذت مكانها في السوق مثل الحليب المجفف (البودرة)، والزبد، والسمن، والحليب المركز. وفي فترة ما يسمى بالطفرة التي ارتبطت بأسعار النفط في السوق العالمية وأحدثت تغيرات في ارتفاع دخول الأفراد، وتغير في أنماطهم الاستهلاكية، وفي ظل السياسات التنموية الزراعية المختلفة التي رسمتها الدولة لتحقيق الأمن الغذائي من المنتجات الزراعية الرئيسية لتلبي احتياجات السكان الذين زاد طلبهم على السلع الزراعية نتيجة لعدة عوامل من أهمها ارتفاع معدل النمو السكاني، وارتفاع معدلات الدخول، إضافة إلى تغير أذواق المستهلكين. مما زاد معه الطلب على منتجات القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي وفي مقدمتها منتجات الألبان الطازجة. وصاحب تلك التغيرات الاقتصادية بروز مشروعات مختلفة الأحجام متخصصة في إنتاج الألبان الطازجة حظيت منتجاتها بقبول المستهلك. وصناعة الألبان الطازجة في المملكة حققت عوائد إيجابية بحق تمثلت في العنصر البشري السعودي المؤهل الذي يدير منشآت هذه الصناعة، وتوطين تقنية الإنتاج والتسويق لهذه الصناعة، كما ساهمت مخرجات هذه الصناعة في التثقيف الاستهلاكي للألبان الطازجة ومشتقاتها نظراً لتوافر المنتجات المتميزة، والوسائل الدعائية التعريفية التي تقوم بها المشاريع الوطنية العملاقة للتعريف بإنتاجها من الأصناف المتميزة التي أصبحت مطلبا للمستهلك بشكل منتظم، وهذه الصناعة أخذت وضع الريادة بالنسبة للمنتجات الزراعية الوطنية، وتشكل لها كيان على الرغم من وجود بعض الصعوبات في الإنتاج والتسويق في المنشآت الصغيرة شأنها شأن أي صناعة أخرى، وفي اعتقادي الشخصي أن من تبنى حملة مقاطعة الألبان الطازجة أو تعاطف معها رغم قلة تأثيرها جانبه الصواب، فهل فكر في حال تراجعت هذه الصناعة وتم استيراد الألبان الطازجة فكم سعر اللتر المتوقع؟ وأختم بتساؤل آخر: هل ندعها تخيس ويتهاوى هذا الكيان.
والله ولي التوفيق
[email protected]