جامعة الملك سعود..عودة الريادة
جامعة الملك سعود هي أم الجامعات ورائدة التعليم العالي ومبعث الإشعاع والتنوير في المجتمع، منذ انطلاقتها في نهاية الخمسينيات الميلادية، ومن رحمها تخرج الآلاف من أبناء الوطن، ممن انخرط في إدارات الدولة أو برز في القطاع الخاص. وفي فترة من الفترات، كان جُل المسؤولين في الدولة، قد مروا بالجامعة، إما عملاً فيها أو من خلال قاعات الدرس الأكاديمي. وأعكفُ حالياً على جمع مادة تاريخية عن الجامعة، ضمن مشروع يستهدف كتابة سيرة الشيخ ناصر المنقور، رحمه الله، الذي تولى ملف مشروع إنشاء الجامعة، والتنسيق مع نُخب عربية جاءت إلى المملكة لدراسة ومعرفة مدى إمكانية افتتاحها، وكان أول مدير سعودي لها. ومن خلال بحثي أستطيع القول إن فترة إدارة المنقور كانت الانطلاق والانبعاث ووضع الأُسس والتقاليد الأكاديمية الصارمة، مع عدم إغفال الجانب التنويري، الذي عُرف به الشيخ ناصر وتأثر به، منذُ أن كان طالباً في كلية الآداب في جامعة القاهرة، أواخر الأربعينيات، حينما تلقى العلم على أيدي عدد من قادة التنوير في الوطن العربي. وبعد أن ودّع المنقور الجامعة منتقلاً إلى مجلس الوزراء وزيراً، خَلَفه الدكتور عبدالعزيز الخويطر، الذي كانت فترته امتداداً للمنقور ونمواً وتوسعاً، وحققت الجامعة سمعةً متميزةً، بوأتها مكانة مرموقة على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، حتى أصبحت "الحلم" و "الأمل" لدى الكثيرين من أبناء المملكة، الذين كانوا يتطلعون إلى مقاعدها ونيل شهادتها، بل أصبحت حلماً ومطلباً لدى أساتذة جامعات يعملون في جامعات أُخر، بذلوا جهداً من أجل الانتقال للعمل في الحقل الأكاديمي فيها.
وحيثُ كان متوقعاً أن تستمر ريادة الجامعة ودورها التنويري في المجتمع، انكفأت الجامعة على نفسها في أواخر الثمانينيات لمدة لاتقل عن العقدين! وثمّة عوامل وظروف أسهمت في انكفاء الجامعة، ليس هنا مجال بسطها والحديث عنها، غير أنه يمكن القول أن المجتمع الذي كان يتطلع إلى الجامعة ودورها التعليمي والتثقيفي والتنويري، فوجئ في مطلع التسعينيات، حينما رأى الجامعة وقد زُجّ بها، من قبل عدد من أساتذتها، في صراعات فكرية وسجالات ليست من مهمامها، واستُخدمت قاعات الدرس فيها لغير الدرس!
المجتمع أيضاً استيقظ على دراسة تصنيف الجامعات العالمية، التي قامت بها ( سايبر ماتريكس) والتي أثارت جدلاً واسعاً، ورغم أنها دراسة قامت على معايير غير علمية وذات أهداف بحثية خاصة، إلا أن ترتيب الجامعة، الذي جاء في ذيل القائمة، أصاب المجتمع بالإحباط.
اليوم تعود جامعة الملك سعود إلى وهج الخمسينيات والستينيات. ومن يتابع نشاطات مديرها الجديد الدكتور عبدالله العثمان، يعلم أنها ستعود إلى ما كانت عليه وربما أفضل، فقد حمل العثمان على عاتقه مسؤولية إعادتها إلى وهجها وإلى مستواها الأكاديمي المتميز، من خلال مشروع عمل ضخم تجلّى في إنشاء كراسي بحثية في كثير من التخصصات ومن خلال استدعاء أساتذة "كبار" زاروا الجامعة وألقوا فيها محاضرات وندوات، ومن خلال مشروع أوقاف الجامعة أيضاً، هذا المشروع الرائد الفريد، الذي من شأنه أن يعيد إليها شخصيتها واستقلاليتها والصرف على مشاريعها العلمية والبحثية، بعيداً عن الإجراءات البيروقراطية. وغير ذلك من أعمال وجهود يبذلها المدير الجديد سيحفظها له تاريخ الجامعة. وما يفعله العثمان هو رسالة إلى من سبق ولحق! في أنه بالإمكان العمل والإبداع، إذا ما توافرت العزيمة والرغبة!
وفي خضم ورشة العمل الكبرى التي تعيشها الجامعة حالياً، أتمنى على مديرها أن يُرد الاعتبار لرجالات أسهموا في إنشائها وجعلها واقعاً خيّراً، من خلال إقامة حفل خاص لتكريمهم وإطلاق أسمائهم على قاعات الجامعة وممراتها الرئيسة، خاصةً الشيخ ناصر المنقور، الذي أرى أن إطلاق اسمه على إحدى القاعات الكبرى، أولى من غيره، ممن سُميّت بهم قاعات! كما أرجو من معالي المدير أن يتم تعديل اسم الشيخ المنقور في الموقع الرسمي للجامعة على شبكة الإنترنت ليكون (ناصر بن حمد المنقور) بدلاً من (ناصر بن عبدالعزيز المنقور) !.