حملة توعية ضد التحايل في توظيف الأموال
تزايدت في الآونة الأخيرة حالات التحايل في توظيف الأموال، التي تعد نوعا من أنواع الجرائم المالية والاستثمارية، الخطيرة التي بدأت في الانتشار بعدد كبير جداً من دول العالم التي من بينها المملكة العربية السعودية.
تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد دراسة علمية بالمملكة العربية السعودية، تحدد بدايات انتشار حالات النصب والاحتيال، المرتبطة بتوظيف الأموال، وبالتالي لا يعرف تاريخ محدد لبداية توظيف الأموال في السعودية سوى من خلال بعض القضايا، التي ظهرت لدى بعض الجهات الحكومية المعنية، وكذلك من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، التي تشير إلى أن نشأة توظيف الأموال والمساهمات، قد بدأت قبل أكثر من 25 عاما تقريباً، عندما ظهرت قضية الأجهوري المرتبطة بتوظيف الأموال في الذهب في عام 1402هـ، وتبعها بعد ذلك ظهور عدد من القضايا المشابهة من حيث أسلوب التنفيذ الاحترافي في إغراء الضحايا من أفراد المجتمع بالثراء السريع، وإغوائهم بتحقيق مكاسب سريعة بعوائد مرتفعة في وقت قصير، مثال قضية الجمعة لتوظيف الأموال في عام 1423هـ، ومساهمة بطاقات سوا والاستثمار في البورصة والنفط والسيارات والعقارات، بما في ذلك الاستثمار فيما يعرف بالاستثمار في الذهب الأبيض مثال الاستثمار في الذهب والألماس.
نتيجة لتلك الممارسات الاستثمارية الخاطئة والمضللة من قبل عدد من الأفراد المحتالين والمؤسسات الوهمية، وقع عدد كبير جداً من المستثمرين من المواطنين والمقيمين في السعودية في أفخاخها، التي نصبت لهم بأسلوب احترافي مضلل، من خلال الاستعانة بمحاسب قانوني لرسم خطة الأرباح الوهمية والمزيفة، الأمر الذي تسبب وللأسف الشديد في ضياع وتبديد الثروات والمدخرات الشخصية للمستثمرين، الذين كانوا يلهثون وراء الكسب السريع وتحقيق عوائد مرتفعة للغاية، تجاوزت ببعض الحالات نسبة الـ 25 في المائة من رأس المال المستثمر في الأسبوع الواحد، ما شجع وحفز المستثمرين على تدوير استثماراتهم، إضافة إلى الأرباح التراكمية المتحققة عن تلك الاستثمارات لفترات أخرى، الأمر الذي ضاعف من حجم خسائرهم والأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية التي لحقت بهم.
يرجع المهتمون بشأن مكافحة حالات التحايل في توظيف الأموال، أسباب انتشار تلك الحالات لعدد من الأسباب من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) طبيعة الإنسان وحبه للمال الذي قد تزامن مع زيادة متطلبات الحياة ومغرياتها، ما ضاعف من الرغبة والحماس في الحصول على الأموال بأساليب كانت تبدو سهلة للغاية في ظل عدم وضوح المخاطر والمحاذير بالنسبة لهم، التي عادة ما تصاحب الكسب السريع للأموال. (2) ضعف الثقافة الاقتصادية والوعي الاستثماري والمالي لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع السعودي، ما ضاعف من فرص وقوعهم في شرك عمليات النصب والاحتيال المرتبطة بتوظيف الأموال. (3) النهضة الاقتصادية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، وما صاحبها من ترويج في وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية المحلية والإقليمية للطفرة الاقتصادية والوفرة المالية التي تعيشها البلاد، الأمر الذي ساعد على ظهور عدد من الأفراد المحتالين والمؤسسات الوهمية المتخصصة في أساليب الاحتيال في توظيف الأموال، بالذات في ظل وفرة السيولة ومحدودية القنوات الاستثمارية المتاحة للاستثمار. (4) ضعف، أو بالأحرى غفلة، المؤسسات الرقابية المعنية بتتبع حالات ظهور التحايل في توظيف الأموال، ما ساهم إلى حد كبير في ظهور أفراد ومؤسسات وشركات يدعون أن لديهم القدرة على توظيف الأموال وتوزيع أرباح مرتفعة بشكل أسبوعي. (5) ضعف ومحدودية وسائل وقنوات التوعوية المرتبطة بمخاطر الاستثمار بشركات توظيف الأموال غير المرخص لها. (6) الحرية المالية التي تتمتع بها الأنظمة المصرفية المحلية، إضافة إلى تطورها التقني الذي يسمح بحرية وبسرعة تحويل الأموال، ما ساعد أصحاب توظيف الأموال في استغلال مثل تلك المميزات في تسهيل عمليات تحويل أموال المستثمرين إلى خارج البلاد.
إدراكا من الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، بأهمية توعية جميع أفراد المجتمع من أساليب التحايل في توظيف الأموال من قبل أفراد ومؤسسات وشركات وهمية أو نشاطات استثمارية غير مرخص لها بالعمل رسمياً، وجه سموه بإطلاق حملة توعية مطلع الأسبوع المقبل ضد التحايل في توظيف الأموال تحت شعار "حتى لا تفقدها" لمدة أسبوع، التي تنظمها الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بالتعاون مع إمارة منطقة الرياض وشرطة المنطقة.
الأستاذ عبد الرحمن الجريسي رئيس الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، بيّن في حديث نشر له في جريدة "الرياض" في العدد 14573، أن الحملة تستهدف تنبيه العاملين في القطاع الخاص والمواطنين والمقيمين في منطقة الرياض وعلى مستوى المملكة بشكل عام بضرورة الحرص والتأني والحذر الشديد عند التعرض لمثل هذه الألاعيب والحيل التي يتفنن فيها بعض ذوي النفوس الضعيفة، الذين يستهدفون القيام بعمليات مشبوهة وضارة بمصالح الناس وبمصالح الاقتصاد الوطني، من خلال تسويق بعض الأفكار والمنتجات ذات الربحية العالية، التي لا تتفق مع أنظمة الاستثمار والمرابحة المعلن عنها من قبل الجهات الحكومية المختصة.
خلاصة القول، إن انتشار حالات التحايل في توظيف الأموال، التي تستهدف في المقام الأول التضليل بالمستثمرين والاستيلاء على مدخراتهم وثرواتهم الشخصية، بأساليب مضللة وغير مشروعة، استرعت اهتمام وانتباه سمو أمير منطقة الرياض، الذي وجه بانطلاقة حملة توعية ضد أساليب الاحتيال في توظيف الأموال، التي ستبدأ فعالياتها بمطلع الأسبوع المقبل ولمدة أسبوع واحد، وفي رأيي، لأن يحالف هذه الحملة النجاح وتحقيقها للأهداف المرجوة منها، فإن الأمر يتطلب استمرارية مثل هذه الحملات لتمتد على مدار العام، بهدف تعزيز الوعي الاستثماري والمالي لدى أفراد المجتمع، هذا إضافة إلى ضرورة الاستمرار في استصدار التشريعات وسن القوانين، الكفيلة بالحد من ظهور مؤسسات وشركات استثمار وهمية، تعمل على العبث بأموال المستثمرين وبمدخراتهم الشخصية، كما أن الأمر يتطلب تفاعل المواطن والمقيم مع مثل هذه الحملات والاستجابة لأهدافها التوعوية، من خلال عدم التعامل مع ذلك النوع من الشركات تحت أية ظروف أو إغراءات مالية أو عوائد استثمارية مهما بلغت، الأمر الذي سيجنب، بإذن الله تعالى، المستثمرين والاقتصاد والبلاد عبث ذلك النوع من الشركات، وسيعمل كذلك على الحد من انتشارها والقضاء على وجودها، وبالله التوفيق.