خطوات للحد من ارتفاع الأسعار
في جلسة مجلس الوزراء الموقر المنعقدة بتاريخ الخامس من أيار (مايو) 2008، أقر المجلس عددا من الخطوات الحكومية الحاسمة للتعامل مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، مثال المواد الغذائية وغيرها، هذا إضافة إلى موافقته على عدد من القرارات، التي من شأنها العمل على ضبط تسارع وتيرة ارتفاع معدلات التضخم في المملكة، التي شهدت ارتفاعات تصاعدية خلال الفترة من 2006 إلى 2008 بلغت نسبتها نحو 4.8 في المائة في المتوسط.
الخطوات الحكومية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته المذكورة، استهدفت جميعها على المدد القصيرة والمتوسطة والطويلة، توفير السلع والمواد التموينية وضبط أسعارها محلياً، سعياً لتخفيف العبء المعيشي على المواطنين السعوديين والمقيمين في السعودية على حد سواء.
تحقيق تلك الأهداف استلزم توجيه مجلس الوزراء لوزارتي الزراعة والتجارة، إعداد دراسة متكاملة لتحديد احتياجات المملكة المستقبلية من المنتجات الغذائية التموينية، بما يسهم في تعزيز مفهوم الأمن الغذائي من الناحيتين العلمية والعملية في السعودية، كما استلزم ذلك على جانب تحقيق الأمن الغذائي، الحاجة إلى بناء مخزون استراتيجي من المواد التموينية وتوفير البنية التحتية اللازمة لذلك، وتخصيص أراض لإنشاء مستودعات عن طريق القطاع الخاص لخزن المواد التموينية، كما وجه المجلس في هذا الخصوص وزارتي الزراعة والتجارة بإجراء مسح شامل للدول، التي تتوافر لديها إمكانات وفرص للاستثمار في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية.
تحقيقا للتوجه نحو الاستثمار السعودي في القطاعات الزراعية والحيوانية والسمكية في الخارج، وجه المجلس وزارة الخارجية السعودية بإعداد صياغة نموذجية لاتفاقية إطارية في شأن الاستثمارات السعودية الخارجية في تلك المجالات، بما في ذلك توفير الحوافز والضمانات اللازمة لها، بالشكل الذي يحقق التوسع في الاستثمار في تلك القطاعات في العديد من الدول، ليشمل ذلك تحفيز رجال الأعمال السعوديين في الاستثمار في تلك القطاعات، بتوفير التسهيلات الائتمانية والتمويل الميسر عن طريق المؤسسات العامة التمويلية العامة.
من بين الخطوات أيضا التي أقرها مجلس الوزراء على المديين المتوسط والطويل توجيه وزارات التجارة والصناعة، والزراعة، والمالية بإعداد الدراسات اللازمة المتعلقة بإنشاء شركة سعودية قابضة بين القطاعين العام والخاص للتطوير والتشغيل والاستثمار الزراعي والحيواني في الدول الأخرى، بما في ذلك وضع الآلية المنظمة للتعاقد مع الشركات السعودية المستثمرة في تلك الدول لشراء منتجاتها، هذا إضافة إلى توجيه وزارة المالية بتقديم الدعم المالي اللازم لوزارة التجارة والصناعة بما يمكنها من فرض الرقابة اللازمة على الأسواق المحلية لمراقبة الأسعار وتفعيل أنظمة وآليات مكافحة الغش التجاري، ونظام المنافسة، كما وجه المجلس في هذا الخصوص وزارات الشؤون الإسلامية، التربية والتعليم، والتجارة والصناعة برفع مستوى الوعي والثقافة الاستهلاكية بما يحقق ترشيد الاستهلاك لدى المستهلكين من المواطنين والمقيمين.
رغم سلامة وقوة تلك الخطوات والإجراءات والقرارات المعتمدة من قبل مجلس الوزراء لمعالجة مشكلة ارتفاع الأسعار في الأسواق والحد من تسارع وتيرة التضخم في الاقتصاد، إلا أن هناك تحدياً كبيراً سيظل يلوح في الأفق، ذلك المتمثل في قدرة الأجهزة التنفيذية في الدولة، وعلى الأخص الوزارات التي أنيطت بها مسؤولية تنفيذ الخطوات، التي أقرها المجلس في جلسته المنعقدة بتاريخ الخامس من أيار (مايو) من العام الجاري، ولا سيما أن تنفيذ تلك الخطوات يتطلب مباشرة كل وزارة لعدد من المهام في مجال اختصاصها، كما أن نجاح التنفيذ لتلك الخطوات وفق المطلوب والمرسوم، سيظل أمراً مرهوناً بقدرة تنفيذ تلك الوزارات لتلك المهام بالأسلوب الذي يأخذ في الحسبان الترابط القوي بين المهام، وأن نجاح تنفيذها يعتمد في المقام الأول على درجة التنسيق الحثيث والتسلسل والتناغم في التنفيذ، لكون أن أي تأخير أو تقاعس من قبل أي من الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر في التنفيذ سيربك بقية الأجهزة التنفيذية الأخرى، وسيجعل من تنفيذ تلك الخطوات أمراً مستحيلاً، مما سيقلل من فاعليتها وجدواها.
من هذا المنطلق في رأيي بغرض تلافي حدوث أخطاء وعيوب في التنفيذ، فإن الأمر يتطلب إعداد خطة أو برنامج زمني تنفيذي تحدد من خلاله الأولويات ومسؤولية تنفيذ المهام، بما في ذلك الوقت اللازم لإنجاز كل مهمة على حدة، في رأيي كذلك يجب أن تعتمد خطة التنفيذ بشكلها المتكامل من قبل مقام مجلس الوزراء الموقر، وأن تناط مسؤولية متابعة تنفيذ الوزارات للمهام المختلفة بجهة رقابية في المجلس، الأمر الذي سيتحقق عنه بلوغ الغايات وتحقيق الأهداف المنشودة من وراء إقرار تلك الخطوات.
ختاماً: حبذا أن يتم التفكير في اتباع الخطوات نفسها وتطبيقها على قطاعات وأنشطة أخرى مماثلة في الاقتصاد السعودي، قد تواجه بأزمات مستقبلية محتملة لأسباب خارجة عن إرادة الحكومة السعودية، مثال القطاع الصناعي، والقطاع المالي، والقطاع العقاري، والقطاع الصحي وخلاف ذلك، وبهذا سنكون أكثر تهيؤاً واستعدادا للتعامل مع المتغيرات والمستجدات من الأحداث التي تدور من حولنا بأقل التكاليف الممكنة، ومن منطلق التخطيط الاستباقي للتعامل مع الأحداث، وليس من منطلق أسلوب إدارة الأزمات Management By Crisis الذي في العادة ما يكون تنفيذه أمراً مكلفا جداً للاقتصاد وكذلك نتائجه غير مضمونة وغير مأمونة، ومن هنا كذلك فإن الأمر يتطلب أيضاً من الأجهزة الحكومية في الدولة، أن تكون قادرة على التنبؤ والاستشعار عن بعد بحدوث الأزمات المحتملة والتعامل معها والتغلب عليها قبل وقوعها، ذلك بهدف تجنيب المواطن والاقتصاد دفع الثمن غاليا بسبب الإخفاقات المحتملة والإفرازات السلبية المحتمل حدوثها نتيجة تلك الأزمات، وبالله التوفيق.