خاص لكبار الشخصيات
من وسائل تغيير عادات المجتمع وتقاليده التربية الصحيحة والقدوة الحسنة فبهما يتعلم الصغير ويصحح خطأه الكبير ويرتقي الأفراد وينمو المجتمع وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه، فبالتربية المتميزة ينشأ جيل متميز وبالتقويم المستمر ينصلح الحال وتنتشر في مجتمعنا ثقافة نعتز ونفتخر بها.
إن العنصر الأساسي المكون للمجتمع هو الفرد، ويتأثر الفرد بمن حوله وتتغير سلوكياته من خلال ما يفرض عليه من أنظمة أو من خلال العادات والتقاليد الأخرى، ومن عوامل التزام الفرد بهذه الأنظمة واتباعه لهذه العادات شعوره بأنه فرد من أفراد هذا المجتمع، وإحساسه بأنه لا يتميز عن مجتمعه بشيء وإن كان صاحب مال أو جاه أو حسب أو نسب فهو في نهاية المطاف مؤمن بأن هذه الأمور تبقى شكلية وحقيقة الأمر هو أنه فرد من أفراد المجتمع.
وقد سررت كثيراً بما نشر مطلع هذا الأسبوع حول توجيه أمير منطقة عسير للمديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة بإلغاء جناح التنويم المخصص لكبار الشخصيات بمستشفى عسير المركزي، وتمكين المرضى من الاستفادة من خدماته دون استثناء، مؤكداً أن جميع المواطنين سواسية فيما تقدمه الدولة أيدها الله من رعاية صحية لهم، وأن من حقهم جميعاً التساوي في فرص العلاج معتبراً أن تخصيص غرف وأجنحة للمسؤولين بالأمر غير المقبول إطلاقاً.
تأملت في هذا الموقف من هذا الأمير الشاب وتمنيت لو تم تعميم هذا الأمر على كافة مناطق المملكة وعلى كافة الخدمات الأخرى سواءً بالنسبة إلى المستشفيات أو المطارات أو غيرها من الخدمات التي تحمل لوحة ( كبار الشخصيات ) أو ما يسمى VIP، هذه المصطلحات التي زرعت الفرقة والشقاق في المجتمعات وقسمتها إلى طبقية منتنة وإلى فوقية مقيتة ففي الوقت الذي يتزاحم فيه الناس ويقفون طوابير طويلة على إحدى البوابات تفتح فجأة بوابة واسعة لفرد واحد باعتبار أنه من كبار الشخصيات، وفي الوقت الذي يعاني فيه المرضى ولا يجدون سريراً هم أحوج ما يكونون إليه داخل مستشفى تغلق غرف بل أجنحة كاملة بحجة أنها مخصصة لكبار الشخصيات.
إن مفهوم (كبار الشخصيات) أسهم بشكل كبير في أن تعرض الأمور بغير حقيقتها، فهي لا تقدم للجميع كما تقدم لمن هو من (كبار الشخصيات) بل هي تقدم له بهذا المستوى لأنه من هذه الفئة ولو فقد هذا الفرد هذه الميزة لوجد طبيعة الخدمة المقدمة على حقيقتها، ولذلك فإنني أتمنى من كبار الشخصيات أن يتنازلوا عن هذا اللقب وأن يستغنوا عنه لمدة يوم واحد وأن يخرجوا للناس كأفراد عاديين ليعرفوا الحقيقة وليشعروا بما يشعر به الناس وليعانوا مما يعانون وليكتشفوا مواطن الضعف في مؤسساتهم وهيئاتهم وليدخلوا من الأبواب العادية لا الأبواب الخاصة ويقفوا في المواقف العادية لا مواقف كبار الشخصيات، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة وهو أفضل الخلق وأعظم شخصية ومع ذلك فقد كان الأعرابي يدخل عليه وهو بين أصحابه ويسأل (أيكم محمد ؟).
إن مرحلة (كبار الشخصيات) هي في كثير من الأحيان مرحلة عدم استقرار وعدم اطمئنان فهي مرحلة تعصف بها الاضطرابات وكل كبير من هؤلاء له من هو أكبر منه وهي مرحلة كثيراً ما تكون مؤقتة فكم من شخص كان في يوم ما من (كبار الشخصيات) أصبح شخصاً عادياً وكم من فرد كان الناس يقفون لدخوله ويشيرون إليه بالبنان في كل مكان ليس له ذكر اليوم، ولذلك فإن نصيحتي الأخرى لكبار الشخصيات اليوم أن يتيقنوا أن ما هم فيه غير دائم وأنها فترة وستنتهي ولذلك خير لهم أن يعيشوا بين الناس كأفراد عاديين وأن يزيلوا الحواجز التي صنعت وأن يلغوا الفوارق الوهمية التي وضعت، وأن يصبحوا أفراداً يعتزون بشخصياتهم وبعملهم لا بجاههم أو سلطانهم أو مالهم فكل ذلك قد يزول ولا يبقى للإنسان إلا عمله الصالح والذكر الحسن بين الناس.