شركات مساهمة للاستقدام ضرورة للأمن الوطني
الذي نرجوه هو أن تمضي وزارة العمل لإتمام المشروع الذي تتبناه لإيجاد شركات مساهمة تتولى رفع كفاءة سوق الاستقدام في المملكة، ونرجو مثابرة الوزارة على هذا المشروع ليس لأهميته المباشرة لسوق العمل، بل نرجو ذلك من باب الدعم المعنوي الضروري للوزارة حتى لا يقف أصحاب (بعض) مكاتب الاستقدام ضده لإفشاله، وبالتالي يتعثر لأسباب غير وجيهة، كما تعثر المشروع الكبير لترتيب أوضاع محال بيع المستلزمات النسائية.
لو أردنا تعداد مزايا هذا المشروع / الحلم لربما نفد مداد الأقلام قبل أن تنفد المعطيات والمبشرات ومحاسن الأمور، فسوق العمالة تتدهور أوضاعها وأغلب مكاتب الاستقدام طالها التستر التجاري، وتدار بآليات وإمكانات تاجر الشنطة، فالتأشيرات تعامل بطريقة الصادر والوارد .. ومكاتب الاستقدام في البلاد المصدرة للعمالة تقع على كنز من ذهب فهي كالمنشار، تستقطع الرسوم العالية من العمالة الفقيرة قليلة الحيلة وأيضاً من المستقدمين وهذا يجعل العلاقة بين الطرفين متوترة من البداية!
بعد أن تساهلنا مع هذه الأوضاع لسنوات طويلة، الآن الظروف المحيطة بسوق العمالة في الدول المصدرة تغيرت، والنمو الاقتصادي في آسيا، وأيضا تراجع النمو السكاني في عدد كبير من الدول الصناعية، وخروج أجيال إلى التقاعد في هذه الدول، كل ذلك يفرض واقعا جديدا على سوق العمل الدولية، فهناك تغيرات بنيوية في الاقتصاد العالمي ترفع الطلب على العمالة الماهرة المتميزة، وهذه البيئة الجديدة تستدعي وجود شركات محترفة قوية قادرة على الاقتناص المحترف للموارد البشرية.
أغلب مكاتب الاستقدام القائمة أبعد ما تكون عن المهنية والاحترافية في اقتناص الموارد البشرية، وفي الفترة الأخيرة أصبح أصحاب الأعمال يباشرون بأنفسهم البحث عن العمالة في بلادها، وحتى الخدم والسائقين وبقية المهن البسيطة. وأصبح ملاحظا أيضا في السنوات الأخيرة أن الناس لم تعد تثق بالمكاتب القائمة وطريقة عملها، فالناس تذهب لتبحث بنفسها، وهذا مؤشر على عدم رضاهم عن الوضع القائم، فشركاتنا وبيوتنا أصبحت تستقبل (رجيع) أسواق العمالة .. وربما خريجي السجون والمصحات النفسية!
وعدم وجود صناعة متقدمة ومحترفة للاستقدام نتج عنه بروز ظاهرة خطيرة على الأمن الوطني. ففي السعودية بل في دول الخليج عموماً، بدأنا نلاحظ في السنوات الأخيرة نمطا جديدا من الجرائم، وهي دون شك نتاج لعالم الجريمة المنظمة التي تعمل في إطار احترافي دولي، فطبيعة الجرائم وطرق تنفيذها المعقد لا يمكن أن تكون نتاج بيئتنا وثقافتنا وطرق تفكيرنا، ووضع مكاتب الاستقدام الحالي يجعل من السهل جدا اختراقها وتحولها إلى منافذ لاستقدام عمالة لم يفحص سجلها الأمني بشكل كاف.
عندما نمارس حقنا الطبيعي بأن (نحلم) بقيام شركات مساهمة قوية، ليس فقط لتلافي هذا النزر اليسير من السلبيات التي ذكرناها، بل ثمة إيجابيات جديدة نتطلع إليها، أولاها رفع المعاناة عن الناس وعن أصحاب العمل بسبب مشكلات الاستقدام القائمة المستدامة، كما أنه يرفع المعاناة عن العمالة ذاتها، فمكاتب الاستقدام الصغيرة والضعيفة في السعودية والخليج لا تستطيع أن تفرض وضعا أفضل، فهي في موقع ضعيف أمام اللوبيات السياسية والاقتصادية الضخمة والمتنفذة والخطيرة التي تسيطر على مؤسسات وشركات تصدير العمالة في بلادها.
أيضا وجود هذه الشركات سيجعلها وسيطا موضوعيا في قضايا العمل ويساعد مؤسسات الدولة على إقامة علاقة تضمن الحقوق الإنسانية والنظامية للطرفين، فنحن نلام سنويا من منظمات إنسانية وحقوقية عالمية على أوضاع العمالة، والمؤسف أن الأغلبية منا يؤخذ بجريرة القلة ممن يسيئون للعمالة، وفي المقابل لا أحد يستمع لمعاناة الأغلبية من الناس مع العمالة، سواء من الأفراد أو الشركات، فأغلبنا يؤثر السلامة ويرى أن العامل أو الخادم هو الطرف الضعيف، لذا كثير منا يتنازل عن حقوقه.
باختصار .. نرجو أن تكون وزارة العمل (جادة) في مساعيها ولا تهرب من المواجهة، فشركات مساهمة كبيرة وقوية للاستقدام أصبحت ضرورة يتطلبها (الأمن الوطني) بكل مكوناته.