ذروة نفط.. إنما في جانب الطلب
نظرية ذروة النفط Peak Oil تقول إن الإنتاج العالمي من النفط عند أو قرب أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه، أي أنه قد بلغ ذروته، وبالتالي فإن العالم سيواجه أزمة شح في موارد الطاقة سيزيد من حدتها توقع حدوث نمو كبير في الطلب على مختلف مصادر الطاقة خلال السنوات المقبلة خاصة النفط، وتزايد القناعة بهذه النظرية وما يترتب عليها من أزمة طاقة عالمية قد يفسر الارتفاع المستمر في أسعار النفط الخام خلال السنوات الأربع الماضية، والآثار السلبية الخطيرة التي نتجت عن التوسع في إنتاج الوقود الحيوي في أسعار السلع الزراعية الغذائية الأساسية وما قد تتسبب فيه من أزمة غذاء عالمية ومجاعات في الدول الفقيرة لم تزد نظرية ذروة النفط إلا قبولا وتأييدا.
ووفق هذه النظرية فإن العالم سيصل إلى مرحلة يكون فيها الطلب العالمي على النفط في نمو إلا أن منتجي النفط غير قادرين على إنتاج ما يكفي لتلبية هذا الطلب، ما سيتسبب في تراجع مستوى أداء الاقتصاد العالمي بل وحتى انكماشه في ظل شح مصادر الطاقة اللازمة لنموه وازدهاره. هذا السيناريو سيكون مؤكد الحدوث في حالة واحدة فقط وهي وصولنا إلى ذروة الإنتاج قبل أن نصل إلى ذروة الطلب على النفط، ففي هذه الحالة لن يكون أمام العالم من الوقت ما يكفي للوصول إلى حلول لأزمة الطاقة المتفاقمة، باعتبار أن وصول الإنتاج النفطي إلى ذروته بينما الطلب عليه ما زال في نمو يعني أن العالم لم يستطع بعد أن يحقق اعتمادا أكبر على مصادر بديلة للطاقة، وتحقيق نجاح في هذا الشأن قد يتطلب عقودا عديدة لذا سيأتي متأخرا جدا، حيث قد يكون الاقتصاد العالمي ومستويات المعيشة لسكان الأرض قد تدهورا بحدة وبشكل خطير قبل أن يصل العالم إلى حلول يؤمن بها حاجته من الطاقة، هذا على افتراض أن ذلك سيكون ممكنا، وأن التكنولوجيا ستتطور بما يحقق ذلك.
الحل الوحيد الذي سيمكن العالم من تجاوز أزمة الطاقة المقبلة هو أن نصل إلى ذروة النفط في جانب الطلب Demand side Peak Oil قبل وصولنا إلى ذروة النفط في جانب العرض Supply Side Peak Oil وهي الذروة التي تبشر بها نظرية ذروة النفط حاليا. بمعنى أن يتوقف النمو في الطلب العالمي على النفط ويصل إلى ذروته قبل أن يصل الإنتاج العالمي من النفط إلى الذروة، حيث يصبح النفط المتاح كافيا لتزويد العالم بحاجته من النفط، ليس بسبب أن هناك نموا كبيرا في الإنتاج النفطي العالمي يكفي لمواجهة الطلب المتنامي، وإنما لأن الطلب العالمي قد توقف عن النمو، بل وحتى قد يكون تراجع، بصورة جعلت طاقة الإنتاج العالمية كافية لمواجهته، ما سمح بتوازن العرض والطلب النفطي دون حدوث أزمة شح في موارد النفط عالميا.
سيناريو ذروة الطلب بدلا من ذروة العرض يمكن تحققه في نظري في حالة واحدة فقط وهو استمرار أسعار النفط الخام في الارتفاع إلى أن تُحدث تأثيرا ملموسا في معدلات الطلب العالمي على النفط، من خلال تسببها في ارتفاع كبير في كفاءة استخدام النفط واعتماد أكبر على مصادر الطاقة الأخرى. وهو أمر لم يحدث بعد، فرغم الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام خلال السنوات الأربع الماضية، فإن حجم الطلب العالمي على النفط يزيد حاليا عن 87 مليون برميل يوميا مقارنة بنحو 83 مليون برميل يوميا في عام 2003، وهي الفترة التي تضاعفت خلالها أسعار النفط ثلاث مرات تقريبا.
ووفقا لهذه النظرية البديلة، إن جاز التعبير، فإن العالم لن يواجه بأزمة عدم توافر ما يكفي من النفط بسبب بلوغ إنتاجه ذروته وبدء تراجعه، وسيكون هناك ما يكفي من النفط لتلبية الطلب، إنما بتكلفة عالية تعكس ندرته وتشجع على استمرار تراجع الطلب عليه بما يواكب أي تراجع محتمل في الإنتاج، من خلال تقدم ملموس في جهود رفع كفاءة استخدام النفط واعتماد أكبر على بدائله. وهذا هو السيناريو هو الوحيد الذي يضمن منح الاقتصاد العالمي وقتا كافيا لأن يتأقلم مع عالم يتراجع فيه إنتاج النفط، بل وحتى مع عالم ما بعد النفط. فالنفط باعتباره موردا ناضبا سيكون لإنتاجه ذروة دون أدنى شك، إلا أن وصولنا لذروة في العرض في وقت لا يزال الطلب عليه في نمو سيكون له تأثير مدمر في الاقتصاد العالمي، وسيخلق أزمة طاقة عالمية لن يكون الاقتصاد العالمي قادرا على تحملها دون إلحاق بالغ الضرر به. بينما وصولنا إلى ذروة في الطلب في وقت يستطيع فيه المنتجون تأمين أي كميات إضافية تحتاج إليها السوق، يعني أن العالم قد نجح في تحقيق نجاح ملموس في سعيه لتقليل اعتماده على النفط وعلى التعامل مع أزمة الطاقة، والسبيل الوحيد لتحقيق كل هذا النجاح هو مواصلة أسعار النفط ارتفاعها.