القطاع الخاص والاستثمار في تحلية المياه

الحقيقة إن وضع الحلول المناسبة لمشكلة نقص المياه أو ندرتها، خاصة المياه اللازمة لأغراض الشرب كان من أهم اهتمامات الدولة رعاها الله؛ حيث أنفقت أموالاً طائلة على مشاريع المياه وعلى إنشاء الهياكل الإنتاجية والاقتصادية المتخصصة، مثل مصالح المياه، ومحطات التحلية وغيرها، والتي خففت من مُعاناة السكان في هذا الخصوص. وقد نتج عن ذلك استثمارات ضخمة بطاقات إنتاجية كبيرة ساعدت على مُلاحقة النمو السكاني والنمو العمراني للمدن والقرى التي أصبحت معاناتها من نقص المياه نسبية أو محدودة.
وقد قامت السعودية منذ فترة بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد الوطني، ترتكز على إعطاء القطاع الخاص دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بإشراكه في العملية الإنتاجية بفتح المجال أمامه للاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. ويُعد مجال تحلية المياه من أهم المجالات الاستثمارية التي يستطيع القطاع الخاص أن يُحقق فيها أهدافه وغاياته، كما يُحقق مصلحة عامة للوطن؛ حيث إن هذا النوع من الاستثمار يُسهم في التغلب على مشكلة نقص مياه الشرب المحلاة، كما يسهم في توفير المياه النقية أو المعالجة لاستخدامها في ري الزرع المُستخدم في تجميل الشوارع، وإظهار المدن بمظهر جمالي، والتقليل من حالات تلوث البيئة ودرجة الغبار ولا سيما أنها قد تزايدت في الآونة الأخيرة. وقد سبق أن أصدر مجلس الوزراء السعودي قراراً في عام 2001م بتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع، وهذا من شأنه فتح آفاق جديدة للاستثمار، طالما انتظرها القطاع الخاص لتوفير الاحتياجات المتزايدة لمختلف مناطق المملكة من المياه المحلاة.
ومما لا شك فيه أن الاستثمار في تحلية المياه يُعد أمراً استراتيجياً مُجدياً اقتصادياً، وذلك لوجود طلب كبير ومُتزايد على المياه المُحلاة، سواء فيما يتعلق بالاستهلاك الآدمي بسبب الزيادة السكانية الملحوظة أو بسبب التطور الصناعي أو لأسباب أخرى، ولكن يلزم وجود تراخيص لذلك وتذليل العقبات الإدارية التي يمكن أن تعترض المستثمرين في هذا القطاع الحيوي؛ إذ لا يكفي فتح المجال أمام القطاع الخاص، وإنما يلزم تذليل الصعوبات التي يُمكن أن تعترض المستثمرين في هذا النوع من الاستثمار؛ ذلك أن تحقيق الأهداف والغايات التي يسعى إليها القطاع الخاص على النحو المأمول يتطلب، من ناحية، إنشاء شركات مساهمة كبرى، حيث تكون قادرة على الاستثمار برساميل ضخمة في هذا المجال؛ كما أن هذا الأمر يتطلب، من ناحية ثانية، إعادة النظر في مسألة تسعير المياه المُحلاة، لضمان عنصر الجدوى الاقتصادية المُحفزة للمستثمرين؛ ذلك أن التعرفة الحالية منخفضة مقارنة بأسعار السلع والمنتجات، ومن ثم فإنها غير مُحفزة للمستثمرين؛ إذ إنها لا تترك له هامشاً معقولاً من الربح؛ كما يلزم، من ناحية ثالثة، توفير الأماكن والمواقع المناسبة لإنشاء محطات التحلية، حيث تكون قريبة من مصدر المياه على البحر الأحمر أو الخليج العربي؛ ويلزم لذلك أيضاً دعم برامج الصيانة اللازمة لمحطات التحلية. كما أن تشجيع المستثمرين على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي يتطلب وجود نظم ولوائح واضحة ومُحددة في وزارة الزراعة والمياه تسمح بالاستثمار في مجال محطات تحلية المياه، وتُحدد حقوق والتزامات أطراف العلاقة؛ وهذا يقتضي أيضاً وجود رقابة من جانب الجهات الحكومية ذات العلاقة على عنصر الجودة في المياه المُحلاة من حيث مراعاة نسبة الأملاح والشوائب فيها.
ومما لا شك فيه أن تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع إنشاء محطات تحلية المياه وتشغيلها ودعم برامج الصيانة الخاصة بالمؤسسة العامة لتحلية المياه سيكون له أبعاده الإيجابية في تقوية التوجهات الاقتصادية اللازمة للتغلب على مشكلة نقص أو ندرة المياه مستقبلاً، ويتفق تماماً مع استراتيجيات وسياسات الدولة الخاصة بتطبيق مبادئ التخصيص والسعودة ومنح القطاع الخاص الفرصة للاستثمار في مشاريع حيوية وآمنة يوظف فيها أمواله وخبراته ويستغل فيها كفاءاته وفعاليته بشكل تجاري في خدمة الوطن.
ومن الملاحظ أن الاستثمار في مجال تحلية المياه كان يكلف المستثمرين مبالغ مالية ضخمة؛ حيث كان الاستثمار في هذا المجال يراوح بين 150 و200 مليون ريال. ومع ظهور التقنيات الحديثة وتطورها وتسخيرها لخدمة الإنسان ورفاهيته أصبح بالإمكان إقامة مثل هذه الاستثمارات برساميل أقل من ذلك بكثير، حيث يُمكن إقامة محطات تحلية مياه صغيرة أو متوسطة الحجم يُمكن أن تخدم على سبيل المثال حيا واحداً أو عدة أحياء صغيرة مُتجاورة؛ و يُمكن إقامة بعض المحطات الثابتة أو المتحركة حيث تتمتع بقدر كبير من المرونة في الحركة والتشغيل والصيانة ولا تحتاج إلى إقامة مبان ومنشآت أو تجهيزات ثابتة؛ ما يُساعد على خفض تكلفة الإنتاج. ويُمكن في هذا الصدد الاستعانة بخبرات الدول المتقدمة في هذا المجال، والتي طبقت بالفعل التقنية الحديثة، مثل فرنسا وكندا اللتان تُعدان من أكثر الدول تقدماًُ في مجال تقنية المياه ولديها صناعات مُفيدة.
فضلاً عن أنه يُمكن الاستعانة في هذا الصدد بالمراكز البحثية المتخصصة، مثل مركز البحوث التطبيقية والتطويرية في دبي، الذي أنشئ من قبل البنك من صندوق الأوبك للتنمية الدولية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وبدأ العمل به في أيلول (سبتمبر) عام 1999م؛ وهو يهدف إلى تطوير وتعزيز استخدام نظام الزراعة المُستدامة التي تستغل المياه المحلاة بنسبة قليلة والمياه المالحة في زراعة الأعلاف والمحاصيل الزراعية والخضراوات ونشر اللون الأخضر في الشوارع، ووضع الحول العالمية لملوحة التربة. ويقوم بتطوير التقنيات والآليات العالمية لمُساعدة المزارعين الذين يواجهون مُشكلات ملوحة التربة والري بالمياه المالحة أو الأقل ملوحة لتحسين إنتاجهم من الغذاء والأعلاف على نحو مُستدام وبشكل اقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي