هل العمالة الأجنبية مشكلة؟
عندما فتحنا الباب على مصراعيه لاستقدام عمالة أجنبية من كل حدب وصوب، بعضها له لازمة وحاجة، والبعض الآخر استقدم لسد عجزنا وكسلنا في تدبير شؤوننا الخاصة، مثل العمالة المنزلية التي كان من الممكن الاستغناء عن نسبة كبيرة منها لو استطاعت كثير من الأسر تدبير أمورها المنزلية والأسرية وتنظيم حياتها بنفسها، خصوصا الأسر الصغيرة التي تسكن في شقق أو فلل صغيرة، أو باشرنا بأنفسنا إدارة أعمالنا بدلا من تسليمها للعامل الأجنبي الذي تركناه يعمل باسمنا ونكتفي فقط بالحصول على أرباح شهرية ونحن وأبناؤنا (نتبطح) في البيوت نشكو قلة فرص العمل، والتي هي من إفرازات رفاهية الطفرة الأولى السلبية التي أصابتنا بالترهل، وهي المسؤولة عن هذا التوسع المفرط في استقدام العمالة الأجنبية، خاصة المنزلية منها، وكأننا لا نستطيع تدبير شؤوننا ونقضي حاجياتنا إلا بخادمة وسائق وعامل، المهم عندما فتحنا ذلك الباب الواسع تكدست بلادنا بملايين العمالة الأجنبية، نسبة لا بأس بها عمالة منزلية، حتى وصل كم بعض الجنسيات لأكثر من مليون عامل وعاملة، وهو ما خلق لنا مشكلة اسمها العمالة الأجنبية، ولب المشكلة هو في عدم وجود نسبة وتناسب ما بين عددها والحاجة الفعلية إليها، فأفقنا بعد غفوة طويلة على وجود عمالة تسمى السائبة وهي التي بتنا نراها تسرح وتعمل في كل مدننا وقرانا بلا ضابط ولا ضوابط، وبالرغم من ذلك مازال الاستقدام جاريا على قدم وساق وكأننا نحتاج إلى المزيد.
وجود فائض من هذه العمالة مع الاستمرار في الاستقدام أدى إلى نشوء مشكلات عديدة بعد أن ترك بعضها بلا عمل وتعرضها لمطاردة الجهات الأمنية لمخالفتها أنظمة الإقامة، أبرزها تحول بعضها من التكسب والعمل المشروع إلى ممارسة أعمال مخالفة للنظام والأخلاق، وهو ما أدى بها لارتكاب العديد من الجرائم من سرقة وتزوير وخطف ودعارة وقتل، ومما أسهم في ذلك وجود بيئة حاضنة ممثلة في تلك التجمعات التي تكوّنت في كثير من مدننا كبؤر مقفلة على بني جلدتها، ولكي نكون موضوعيين حيال هذه المشكلة نقول إن بذورها برزت في بلادنا قبل قدومها، فمعظمها جاءت من قرى وأرياف بسيطة استغل فقرها وبيعت لها أحلام وردية بالثراء السريع في أرض السمن والعسل أرض البترول، ولعب سماسرة هناك من بني جلدتهم دورا في بيعهم الوهم بما دفعهم لبيع ما وراءهم ودونهم والاقتراض لتسديد رسوم الحصول على التأشيرة، فيأتي الواحد منهم وهو مثقل بهموم الخسائر والدين بوعد أحلام الثراء السريع، وبعد الوصول يصدمون بواقع مر قاس، فما يحصل عليه الواحد منهم مئات قليلة تدفع شهرا وتؤخر أشهر في حالات، وحين يحسب ما يحصل عليه من راتب وما عليه من التزامات وديون ومصاريف له ولأسرته التي تنتظر منه مبالغ مالية مجزية كل شهر، يصاب بالفزع وهو ما يجبره على الهروب ومن ثم السعي للعمل المكسب سريعا حتى ولو أدى به الأمر إلى ممارسة الأعمال المحرمة، إلى جانب تخلي بعض الكفلاء عنهم وتسريحهم لالتقاط رزقهم هنا وهناك.
كل ذلك يشير إلى أن لدينا فعلا مشكلة هي وجود هذا الكم الكبير من العمالة الأجنبية، نسبة منها لا تقل في ظني عن الثلث ليس لها احتياج أو عمل محدد، بل متروكة تلتقط رزقها حيث وجدته وبكل طريقة ووسيلة ممكنة، وهو ما يشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فبلادنا يجب ألا تكون سوقا مشرعة الأبواب لأيد أجنبية من كل لون وشكل، وهو ما يدعو إلى أن نطالب بحملة وطنية واسعة ومنظمة تشارك فيها عدة جهات على رأسها وزارتا الداخلية والعمل لتنظيم وجود واستقدام وبقاء العمالة، بحيث يغادر كل من ليس مرتبطا بعمل محدد لدى مستقدمه، واتخاذ إجراءات تنظم استقدامها بحيث لا تستغل من السماسرة في بلادها بداية ولا تترك سائبة في بلادنا، فبالله عليكم ما احتياجنا لعمالة نراها تدفع عربات الخضرة عند المساجد وعلى قارعة الطرق مثلا؟!.. أو عمالة تتجمع في أماكن محددة في مدننا عارضة العمل في كل مهنة..؟!
مشكلة العمالة الأجنبية الزائدة التي ليس لها احتياج لها أضرار عديدة، وخطورتها في أننا سنفيق بعد زمن على نتائجها السلبية، وأقلها ضررا هو استيطان بعضها وهو ما بتنا نراه في تلك الأحياء التي استولوا عليها وكونوا فيها مجتمعهم الخاص التي أصبحت تؤمن الحماية والرعاية للهاربين والمتخلفين وهو ما يضاعف من المشكلة ويفاقمها. ومطلب التحرك الفاعل والحازم لتنظيم وجود العمالة الأجنبية هو لحماية مصلحة بلادنا أولا ثم حماية للأيدي العربية والأجنبية المستقدمة للعمل الفعلي الذي تتطلبه الحاجة والضرورة، أما ما نراه في واقع الأمر فهو ازدحام بلادنا بجنسيات متعددة ومئات الألوف من عمالة رديئة المستوى لا تضيف لنا إلا الأعباء والمشكلات التي نحن في غنى عنها.