كارتر.. الوجه (الناعم) لأمريكا
الرئيس كارتر في جولته الحالية للشرق الأوسط يضعنا أمام مفارقات الصورة الأمريكية في العالم.
في أمريكا وجوه سياسية وفكرية وإعلامية قدمت نفسها كرموز للعدوان وعملت على جعل الانتقام هو العقيدة التي تدير السياسة الخارجية وجرت أمريكا إلى صراعات محلية هي أبعد ما تكون عن فهمها، وبالتالي قيادة أمريكا إلى مجابهات ونزاعات سوف تجعل تكلفة الهيمنة وفرض سياسة القطب الواحد مكلفة جدا ودون فوائد.. والعراق مثال حي قائم ساحته الدم والدمار!
الرئيس جيمي كارتر يقدم الوجه الناعم لأمريكا الذي يحترمه العالم ويقدره ويجني ثماره، أمريكا لديها الكثير مما تقدمه للتنمية والسلام والرخاء الاقتصادي، والرئيس كارتر يقوم بدوره الأخلاقي والإنساني لتعزيز الصورة الإيجابية عن أمريكا.
طبعا هذه الزيارة لن تجلب الأمن والسلام للمنطقة، فالإدارة الأمريكية ضدها وتهاجمها والماكينة الإعلامية اليهودية الجبارة في أمريكا سوف تلاحق الرئيس كارتر وتمارس عليه الأسلوب الذي تجيده وهو (اغتيال الشخصية) فمن يجرؤ على تحدي المصالح الإسرائيلية هو بلا شك (رجل شجاع) والرئيس كارتر يقود كتلة من القناعات السياسية والفكرية حول خطورة اختطاف السياسة الأمريكية الخارجية.
التحالف الصهيوني الذي يجمع المتطرفين من (اليهود والمسيحيين) هو أكبر خطر على أمريكا، وأساليبه التي يستخدمها في التعبئة الفكرية والسياسية وتنظيم المراهقين والشباب حول فكرة واحدة وهي أن تكون أمريكا الراعية الأخلاقية للعالم.. هي أساليب لا تختلف عن منهج (القاعدة) وتصوراتها الفكرية، وهذا التحالف الخطير ربما يقود العالم إلى كوارث أسوأ مما فعلته وتفعله القاعدة.
لذا من واجبنا أن نبارك ونشجع أية جهود تبذلها قيادات سياسية وفكرية أمريكية لها احترامها ومكانتها الأخلاقية لدى الشعب الأمريكي، والرئيس كارتر أحد هذه القيادات التي تحاول اختراق حاجز الصوت لإحداث صدمة للوجدان الشعبي الأمريكي، لعله يدرك خطورة التوجهات الفكرية والسياسية التي تأخذ أمريكا إلى مسار قد يكون هو الفصل الأول لتاريخ انحدارها وتراجعها.
ما نستشفه من جولة الرئيس كارتر وما تخللها من مواقف ربما هو رغبة الرئيس السابق في إبراز أن اعتماد القوة كعقيدة تسيطر على أمريكا هو نزعة مدمرة للعالم ولأمريكا، أمريكا بحاجة إلى جعل الدبلوماسية وسيلة لترجمة الإجماع العام العالمي حول الأهداف والمصالح التي تسعى إليها بدلا من الاعتماد على القوة العسكرية.