الصناديق والإفصاح
طالعتنا "الاقتصادية" في 23/3/1429هـ بتقرير موجز عن استثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في سوق الأسهم السعودية وبعض الشركات المحلية الأخرى غير المدرجة. وجاء على لسان محافظ المؤسسة أن إجمالي استثماراتها يبلغ 33.7 مليار ريال موزعة على نحو 50 شركة في نشاطات متعددة أبرزها الصناعة، الأعمال البنكية، الخدمات، الاتصالات، والتأمين. كما تضمن التقرير بعض التفاصيل عن استثمارات المؤسسة في قطاع البتروكيماويات مع سرد تاريخي عن مراحل تملكها لحصة في شركة " ينساب " على وجه التحديد.
وعلى الرغم من ضآلة تلك المعلومات ومحدودية فائدتها للسوق، وما يبدو من تباين بينها وبين ما نشرته جريدة "الرياض" في 25/3/1429هـ عن ملكية الصناديق الحكومية في أسهم الشركات المدرجة في السوق، إلا أن ذلك الإفصاح يعد خطوة في الاتجاه الصحيح نرحب بها ونتطلع إلى معرفة المزيد عن استثمارات المؤسسة بشكل دوري في إطار مهني يليق بقدراتها وخبراتها المتراكمة. بطبيعة الحال يتفهم المرء أن ليس كل ما في جعبة المؤسسة من أرقام عن استثماراتها قابل للنشر، لكن في ذات الوقت لا بد من التسليم بأن هناك قدرا كبيرا من المعلومات ينبغي الإفصاح عنه للجمهور بانتظام وفق معايير وضوابط مكافئة لتلك التي تخضع لها صناديق التقاعد في الأسواق الناضجة.
إن الملاءة المالية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وما تحت تصرفها من استثمارات في الشركات، عقارات، وأموال سائلة يجعل من تأثيرها في السوق والاقتصاد بمجمله أمرا لا يمكن الاستهانة به. وكذا الحال بالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتقاعد. إذ كشفت الأرقام التي أعلنت عنها "تداول" أخيراً بمناسبة إعادة حساب مؤشر سوق الأسهم السعودية أن الملكية المجتمعة للجهات الثلاث (صندوق الاستثمارات، التأمينات، والتقاعد) في سوق الأسهم فقط تبلغ نحو 600 مليار ريال أو 60 في المائة من إجمالي قيمة السوق، ينفرد فيها صندوق الاستثمارات بحصة يمكن وصفها بجدارة أنها حصة الأسد، إذ تزيد أربع مرات تقريباً على حصص التأمينات والتقاعد مجتمعتين. هناك بالطبع استثمارات أخرى لتلك الصناديق، عدا سوق الأسهم، غير أنه لا توجد معلومات متاحة تساعد على الحديث عنها، لكن يمكن القول إنها مبالغ كبيرة ولا سيما في مجال المرافق العامة كمشاريع السكك الحديدية على سبيل المثال.
اليوم تواجه السعودية تحديات اقتصادية واجتماعية تختلف تماما عن تلك التي واجهتها بالأمس القريب ما يدعو إلى مراجعة وتطوير الأدوار التي تضطلع بها استثمارات الصندوق، التأمينات، والتقاعد في خدمة المجتمع وبناء مؤسساته. تلك المراجعة يمكن تحقيقها في إطار الاستراتيجية التي أوصى بوضعها مجلس الشورى في جلسته المنعقدة يوم الإثنين 24/3/1429هـ، التي تهدف إلى إدارة الاستثمارات العامة وإعادة توظيفها "بما يلبي احتياجات المواطن السعودي الحالية والمستقبلية، ويراعي حقوق الأجيال المقبلة".
غير أن ما يدعو إليه مجلس الشورى لا بد أن تسبقه خطوات أهمها الالتزام بمبدأ الشفافية والإفصاح من قبل تلك الصناديق. إذ لا يمكن وضع استراتيجيات أو تقديم رؤى، أيا كانت، في غياب أرقام ومعلومات، ولعل من فضول القول إن متطلبات الشفافية والإفصاح في السوق لا تقتصر على الكشف عن حجم الاستثمارات التي يملكها كل صندوق أو تواريخ تملكها وما شابه من الأبجديات فحسب، بل لا بد من إخضاع تلك الصناديق وإداراتها لقواعد نظام السوق المالية أسوة بغيرهم من الملاك والمتعاملين، إذ لا بد من إبلاغ هيئة السوق بأسماء الأفراد الذين لهم حق الاطلاع، وتعبئة ما هو مطلوب من تعهدات بعدم وجود مصالح متضاربة لأولئك الأفراد أو أقاربهم، وكذلك إشعار السوق بأية نوايا للبيع أو الشراء قبل اتخاذ القرار بوقت كاف، وغير ذلك من مقتضيات الإفصاح.
إن ما نشاهده في الأفق من تشكل بيئة جديدة لعمل الصناديق التي تدير أموالا عامة قد لا يستسيغه البعض. غير أن التجارب أثبتت، في كثير من الأحيان، أنه ليس من الحكمة أن يسبح المرء ضد التيار.