كفانا نعرات جاهلية .. أوقفوا شاعر المليون

[email protected]

يبدو أن السواد الأعظم من العرب يعانون مرضا عضالا يختزنون داءه في دواخل نفوسهم ويظهر وقت ما يريدون بشكل عاجل فهو جاهز متى ما استدعت الحاجة إليه وأعني بذلك العزف على وتر المناطقية أو القبلية أو الطائفية والأمر هذا لا يقتصر علينا فقط بل يلاحظ في باقي الدول العربية أيضا ولنا عبرة في لبنان والعراق وباقي البلاد العربية، فالنظرة الدونية للآخر تسيطر على كوامن النفس والاعتزاز المبالغ فيه بالمنطقة أو القبيلة أو العرق أو الطائفة أو الدولة يطغى على تصرفات كثير منا ليصل حد الانتقاص من الآخرين وربما التعدي على كرامتهم وإنسانيتهم كل هذا يحدث لنصرة القريب على البعيد في موقف تتعطل فيه العقول وتطرق معه طبول الفتنة والفرقة. ويشاهد هذا الأمر يوميا على القنوات الفضائية وفي تعليقات القراء على الشبكة العنكبوتية والأخيرة بالذات ساهمت في تحرير ما تختزنه النفس من الفخر المكبوت والاستعلاء المبالغ فيه بالدولة أو المنطقة أو القبيلة أو العرق أو الطائفة وما تختزنه تجاه الآخر من مفردات الشتم والاحتقار والتعدي لدرجة أنني أقرأ كل يوم ما لا يسر من تعليقات ومشاحنات من كل نوع وصنف.
جميع أصناف النعرات موجودة ورائج سوقها هذه الأيام فبين مواطني الدول هناك معارك كلامية تتهم هذا بالتخلف وتتهكم على وضعه وذاك بالبداوة والجهل وفي منتديات الشعر هناك قبلية تنتصر لهذا وتحتقر أو تنتقص من ذاك. و زاد الطين بله بعض المهرجانات مثل مسابقات مزايين الإبل التي أرجو ألا تقام مرة أخرى على أساس قبلي لما فيها من استعراض للقبلية البغيضة وبعد عن الهدف السامي الذي أقيمت من أجله وفيها أيضا تكلف مبالغ فيه وهدر مالي لا طائل منه، أما البرامج التلفزيونية مثل شاعر المليون الذي تابعه ملايين المشاهدين في دول الخليج والعالم العربي يبدو أنه انحرف عن أهدافه النبيلة رغما عن القائمين عليه فأصبح برنامجا يولد النعرات ويشجعها ويطلق طاقاتها الكامنة في كل نفس بشرية مهما قال القائمون عليه ومهما برر المتحمسون له، فالتوزيع القبلي بين المتبارين مفضوح والتوزيع بين الدول بائن ظاهر فأوقد نار قبلية ممجوجة وملاسنات واتهامات متبادلة بين أبناء دول مجلس التعاون الذين يوجدون بمئات الآلاف في منتديات الإنترنت، فأضحى مفرقا بين أفراد ينبغي أن يتوحدوا ومثيرا لنعرات قديمة كان يجب التخلص منها ومصفيا للحسابات وحقلا تزرع فيه بذور الفرقة والفتنة يغذيها الجاهلون في كل مكان.
لم تكن تلك القضية ظاهرة ومشاهدة قبل انفتاح وسائل الإعلام والاتصال بل ظلت محدودة في نطاق المكان الضيق الذي يعيش فيه الناس، ومع التطور وظهور الانترنت والقنوات التلفزيونية ظهرت على السطح يغذيها الجاهلون الحمقى الذين لم يحظوا, والله العالم, بنصيب من العلم يحصنهم من سب الآخرين والتطاول عليهم.
العصبية مهما كان نوعها منتنة كما قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي دعانا لتركها بعد أن أعزنا بالإسلام الذي لا يفرق بين منطقة وأخرى أو قبيلة وأخرى أو دولة وأخرى، لا يفرق بين أسود رأسه مثل الزبيبة وأبيض إلا بالتقوى، الإسلام هو الذي جمع بلالا الحبشي وصهيبا الرومي وسلمان الفارسي وسعدا بن معاذ وأبا سفيان وساوى بينهم في الحقوق والواجبات ولم يفضل أحد منهم على أحد إلا بالتقوى.
أن تزايد وتيرة تلك النعرات يتطلب خطة متكاملة لمحاربتها على مستوى الجامعة العربية تبدأ بالمعلمين والمعلمات لزرع بذور التسامح ولا تنتهي عند إقفال جميع القنوات المشجعة عليها أو المنتديات أو البرامج المغذية لها، ينبغي ألا يسمح بتفتيت جموعنا حتى لا يسيد أحد علينا، وربما نسي من انغمس في هذه الأعمال المثل الإنجليزي الشهير الذي استطاعوا تفتيت الأمة بتطبيقه (فرق تسد) والتفرقة هذه لها أشكال وألوان أما بالدول أو بالقبائل أو الطوائف أو المناطق أو الطبقات الاجتماعية أو غيرها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي