الإفصاح في السوق.. إلى متى الانتظار؟
على الرغم مما لمسه المتداولون في سوق الأسهم السعودية منذ مطلع العام الجاري من تطوير نوعي وكمي في محتويات الموقع الإلكتروني " تداول "، الذي يرصد حركة السوق, والتقارير التي يوفرها للجمهور, تظل المعلومات والبيانات المتاحة من قبل الشركات المدرجة فيها دون الحد الأدنى من المطلوب توفيره مقارنة بما هو متاح للعموم في الأسواق الناضجة. تلك الندرة في المعلومات أفرزت الكثير من السلبيات للسوق إذ تعد من العوائق الرئيسة أمام رفع كفايتها وإحكام الرقابة عليها, كما أنها تشكل مصدر معاناة للمستثمرين عند البحث عن بيانات ومؤشرات ذات مصداقية يمكن الاعتماد عليها في بناء قرارات استثمارية سليمة.
اليوم لا يزال المتعامل في سوق الأسهم السعودية يجهل، على سبيل المثال، الجوانب التجارية لنشاط الشركات المدرجة مثل حصة مبيعاتها في الأسواق, برامجها وتنبؤاتها لأدائها المالي في الربع القادم, وأسماء منافسيها وحصصهم, كما يجهل أسماء المساهمين الذي يملكون حصصاً مؤثرة في تلك الشركات, أسماء المؤسسات والصناديق العامة التي تمتلك حصصاً فيها مهما كانت قيمة تلك الحصص, وأسماء الذين لديهم صلاحية الاطلاع على معلومات داخلية وقاموا بعمليات بيع أو شراء أسهم والتواريخ التي تمت فيها تلك الصفقات والتواريخ التي تم فيها إشعار هيئة السوق بها,وغير ذلك من متطلبات الإفصاح.
لقد مضت خمسة أعوام تقريباً منذ صدور نظام السوق المالية في 2/6/1424هـ, ولم تزل تلك المعلومات غائبة عن السوق على الرغم من أن إحدى المهام الأساس التي أسندها ذلك النظام إلى هيئة السوق المالية، كما جاءت في مادته الخامسة " تنظيم ومراقبة الإفصاح الكامل عن المعلومات المتعلقة بالأوراق, والجهات المُصدرة لها, وتعامل الأشخاص المطلعين وكبار المساهمين والمستثمرين فيها, وتحديد وتوفير المعلومات التي يجب على المشاركين في السوق الإفصاح عنها لحامل الأسهم والجمهور".
ولم تقتصر المواد النظامية الملزمة "بالإفصاح الكامل" على تلك المادة الخامسة فحسب, بل صدرت فيما بعد ( قبل حوالي ثلاثة أعوام ) المادة الثلاثون من قواعد التسجيل والإدراج في السوق التي ألزمت الشركات المساهمة المدرجة بالإفصاح عن ملكية حصص كبيرة من الأسهم (5 في المائة أو أكثر), وملكية عضو مجلس الإدارة أو المدير التنفيذي لأسهم في الشركة التي يعمل فيها مع ضرورة بيان الغرض من التملك ومصدر التمويل.
لذا لا ينبغي أن ننكر على أي متعامل أو مراقب للسوق إن تملكه العجب من عدم التزام الشركات المدرجة فيها بمتطلبات " الإفصاح الكامل " على الرغم من مضي عدة سنوات على صدور التعليمات الآمرة في ذلك الشأن ما وفر لتلك الشركات فترة كافية لترتيب أوضاعها. ومما يزيد الأمر غرابة أن البنوك في أغلبها هي أقل الشركات المدرجة التزاماً بمتطلبات " الإفصاح الكامل " في الوقت الذي كان ينتظر منها عكس ذلك لما لديها من تقنيات متطورة، كما أن تحت سيطرتها أصول ضخمة وأموال طائلة لا يقارن بها أي قطاع آخر في السوق.
إن إحدى المشكلات التي تلقي بظلالها على سلوكيات سوق الأسهم السعودية أن الكثير من المؤسسين وكبار المستثمرين في الشركات المساهمة ومجالس إداراتها ما زال يحتفظ بعادات وتقاليد إدارة أملاكه الخاصة كالعمل في الخفاء, كتمان برامج الشركة باعتبارها أسراراً لا يطلع عليها أحد غيره, المزاجية والشللية في اختيار أعضاء مجلس الإدارة وكبار الموظفين التنفيذيين, وغيرها. ويبدو أن قضية الإفصاح ومشاركة الجمهور في كل صغيرة وكبيرة ليست من بين مفردات أو أدبيات تلك الفئة من الملاك.
لكن على الرغم من تلك الصورة القاتمة لغياب الإفصاح الكامل من قبل الشركات المدرجة في السوق، هناك محاولات واعدة لبعض منها للمضي نحو ذلك الهدف تستحق أن نشير إليها من خلال ما قدمته في تقاريرها لعام 2007م. من بين تلك الشركات مجموعة صافولا, الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات (سبكيم)، وشركة الاتصالات السعودية, إذ تضمنت تقاريرها قدراً أكبر من الإفصاح مقارنة بما قدمته في العام السابق وكذلك مقارنة بما تضمنته تقارير معظم الشركات المدرجة الأخرى. ولعل مما يلفت النظر في تقرير " صافولا " بالذات أنه لم يقف عند الكشف عن أسماء ونسب ملكية كبار مساهميها وكبار التنفيذيين وأقربائهم من الدرجة الأولى في رأس مال الشركة بل كشف أيضا عما طرأ من تغير في تلك النسب خلال سنة التقرير, كما تميز تقرير "صافولا" بتقديم قاعدة بيانات تاريخية عن نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية.
نود أن نقول لـ "صافولا" والشركات الأخرى الحريصة على كسب ثقة السوق واحترام مساهميها, نعم نشد على أيديكم, إلا أننا نتطلع إلى أن ترتقوا بالشفافية عن أعمالكم إلى مرتبة " الإفصاح الكامل " ليس فقط في التقارير السنوية بل أيضاً في مواقعكم الإلكترونية وعلى مدار العام.