ملامح الحماية القانونية لتجارة المعادن الثمينة (1 من 3)
تنامت وازدهرت تجارة وصناعة المعادن الثمينة كالذهب والفضة والبلاتين، في العقدين الماضيين في السعودية على نحو ملحوظ، ومما يدل على ذلك تزايد محال ومصانع الذهب، وطبقا لبعض التقارير الإعلامية فإن سوق الذهب السعودية تتكون من نحو ستة آلاف متجر لبيع المصوغات بالتجزئة، ونحو 250 ورشة تصنيع ونحو 700 ورشة إصلاح، وأن السعودية تحتل المرتبة الخامسة بين أكثر الدول استهلاكا للذهب في العالم. وتقديرا من مجلس الذهب العالمي للأهمية المتزايدة للسوق السعودية في مجال تجارة الذهب فقد افتتح مكتبا إقليميا له في السعودية في عام 1992. وفي الآونة الأخيرة ارتفعت أسعار المعادن الثمينة في الأسواق العالمية ارتفاعا كبيرا، خصوصا سعر الذهب الذي وصل إلى مستوى قياسي، إذ بلغ 957.60 دولار أمريكي للأوقية، ويرجع الخبراء السبب في ذلك إلى تزايد إقبال المستثمرين على شراء الذهب بسبب ارتفاع أسعار النفط وضعف الدولار. ويتوقع بعض الخبراء أن يصل سعر الذهب إلى نطاق بين ألف وألفي دولار خلال هذا العام 2008.
ونظرا للأهمية الاقتصادية للمعادن الثمينة وما تتسم به تجارتها وصناعتها من خصائص ذاتية خاصة، فقد اهتمت الدولة مبكرا بتنظيم تجارة وصناعة هذه المعادن تنظيما قانونيا يتلاءم مع أهميتها وخصائصها، فكان أول تنظيم قانوني سعودي لتجارة وصناعة المعادن الثمينة هو نظام طائفة الصاغة الصادر بالأمر السامي رقم 8117 وتاريخ 28/6/1360هـ، وظل هذا النظام ساري المفعول إلى أن صدر نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بموجب المرسوم الملكي رقم م/42 وتاريخ 10/7/1403هـ، حيث ألغت المادة (22) من هذا النظام نظام الصاغة وكل ما يتعارض مع أحكامه. ثم صدرت اللائحة التنفيذية لنظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بموجب قرار وزير التجارة رقم 1000/14/1/33 وتاريخ 1406هـ وجرت بعد ذلك تعديلات لبعض أحكام هذه اللائحة بموجب قرارات أصدرها وزير التجارة في هذا الخصوص.
أناط النظام المذكور بوزارة التجارة سلطة الإشراف والرقابة على تجارة وصناعة المعادن الثمينة ومشغولاتها والأصناف المطلية والملبسة والمطعمة بها، وكذلك الأحجار الكريمة. وفي سبيل تمكين الوزارة من ممارسة سلطة الإشراف والرقابة، فقد خولتها المادة الأولى من النظام الصلاحيات اللازمة لهذا الشأن، وعلى الأخص ما يلي:
1. فحص وتحليل ودمغ ومراقبة مشغولات المعادن الثمينة والأصناف المطلية والملبسة أو المطعمة بها والمنتجات المستخدمة فيها المعادن الثمينة أو الأحجار الكريمة.
2. تحليل وترقيم المعادن الثمينة غير المشغولة أو مزجها أو سبائكها المقدمة للفحص ودمغها.
3. فحص ومراقبة الأحجار الكريمة وتحديد أنواعها التي يطبق عليها هذا النظام.
4. تحديد العيارات النظامية لدرجة نقاء المعادن الثمينة.
5. تحديد شكل وأوصاف سمة المملكة التي تدمغ بها المعادن الثمينة ومشغولاتها.
6. تحديد أنواع المشغولات المصاغة كلها أو جزء منها من المعادن الثمينة المستثناة من أحكام هذا النظام.
7. تحديد الرسوم التي تدفع مقابل الفحص والتحليل والدمغ وإصدار الشهادات.
8. تحديد شروط وإجراءات الدمغ والفحص والتحليل للأصناف الخاضعة لأحكام هذا النظام.
9. تحديد شروط ومزاولة تجارة وصناعة الأصناف الخاضعة لأحكام هذا النظام.
وحددت المادة الأولى من اللائحة التنفيذية للنظام أنواع المعادن الثمينة والأحجار الكريمة. وألزمت المادة الثانية من النظام كل من يرغب في مزاولة تجارة وصناعة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بأن يحصل قبل مزاولة هذا النشاط على ترخيص بذلك من وزارة التجارة، كما وضع النظام ولائحته التنفيذية القواعد العامة التي تنظم وتحكم نشاط تجارة وصناعة هذه المعادن والأحجار، ولسنا هنا بصدد شرحها، وإنما نود أن نسلط بعض الأضواء على العقوبات التي فرضها النظام على الأفعال المخالفة لأحكامه، وإجراءات ضبط المخالفات والجهة المختصة بمحاكمة المخالفين وإجراءات المحاكمة وكيفية صدور القرارات والاعتراض عليها.
لقد نصت المادة (14) من النظام بأنه (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز 400 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين:
أ – كل من غش أو خدع في نوع أو وزن أو عيار المعادن الثمينة أو الأصناف المطلية أو المطعمة أو الملبسة بها أو غش أو خدع في نوع الأحجار الكريمة أو صنفها أو وزنها أو مستوى جودتها.
ب – كل من أحدث في المعادن الثمينة أو مشغولاتها بعد دمغها تعديلا يجعلها غير مطابقة للعيار المدموغة به أو تعامل بها مع علمه بذلك.
جـ - كل من باع أو عرض أو حاز بغرض البيع سبائك المعادن الثمينة أو مشغولاتها غير المدموغة بالسمة النظامية).
ويجوز الحكم بتعليق الترخيص وبغلق المحل مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات في حال ارتكاب أي من المخالفات المتقدمة مرة ثانية خلال خمس سنوات من تاريخ صدور الحكم النهائي في المخالفة.
كما قررت المادة (15) من النظام بأن (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز تسعين ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول تجارة أو صناعة المعادن الثمينة ومشغولاتها أو الأحجار الكريمة بدون ترخيص).
كما قررت المادة (17) من النظام بأن يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائتي ألف ريال كل من ارتكب مخالفة أخرى لأحكام هذا النظام ولوائحه.
وتضمنت المادة (18) من النظام حكمين، الأول أن تطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام لا يخل بتوقيع أي عقوبة تقضي بها أنظمة أخرى، والحكم الثاني أن توقيع العقوبات لا يخل بحق المتضرر في الحصول على التعويض. والواقع أن النص على حق المتضرر في الحصول على التعويض لا يعدو أن يكون تأكيدا للقاعدة العامة في المسؤولية المدنية ومؤداها أن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.
ويلاحظ هنا أن النظام لم يحدد الجهة المختصة بنظر طلبات التعويض عن الأضرار الناشئة عن ارتكاب المخالفات. ويمكن أن يقال في هذا الصدد رأيان، الأول أنه طالما أن النظام لم ينص على أن البت في هذه الطلبات من اختصاص اللجنة المنوط بها تطبيق العقوبات والمنصوص عليها في المادة (20) من النظام، فإن على المضرور أن يرفع دعواه للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به أمام المحكمة العامة أو الجزئية حسب مقدار التعويض المطالب به. والرأي الثاني أنه وإن كان النظام لم ينص على اختصاص اللجنة المذكورة بالنظر والفصل في طلبات التعويض، إلا أنها تعتبر مختصة بالنظر والفصل فيها إعمالا للمادة (14) من نظام الإجراءات الجزائية، والتي تنص على بأن (لمن لحقه ضرر من الجريمة ولوارثه من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى، حتى لو لم يقبل طلبه أثناء التحقيق)، ولذلك فطالما أن اللجنة المنصوص عليها في المادة (20) من نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة هي المختصة بالنظر في دعاوي مخالفات أحكام هذا النظام ولوائحه وتوقيع العقوبات على مرتكبي هذه المخالفات، فإن هذه اللجنة تكون أيضا وإعمالا لنص المادة (148) من نظام الإجراءات الجزائية هي المختصة بالنظر والفصل في طلبات التعويض عن الأضرار الناشئة عن ارتكاب هذه المخالفات.
ومنعا لأي تنازع في الاختصاص فإن من الأفضل أن يتدخل المشرع ويحدد بنص قاطع اختصاص اللجنة المذكورة بالنظر والفصل في طلبات التعويض عن الأضرار الناشئة عن مخالفات نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
محام ومستشار قانوني