هيئة الإسكان والتحديات الجسام
بدأ المواطن يشعر بالتفاؤل تجاه حل مشكلة الإسكان, أو على الأقل البدء في التحضير الجدي لحلها من قبل الدولة, خاصة بعد شغل منصب الأمين العام لهيئة الإسكان بإحدى الكفاءات الوطنية المتحمسة للعمل ممن عركتهم التجربة داخل قبة مجلس الشورى وقاعاته, ذلكم هو الدكتور شويش بن سعود المطيري الذي منحتني زمالته الشهادة بحيازته كثيرا من الصفات التي يتطلبها مثل هذا المنصب, يكفيه منها ما يتمتع به من كفاءة وإخلاص, تجعلنا على ثقة بإدراكه حجم مسؤولياته التي لا تقتصر على المفهوم السائد لمهمة الأمين العام, وإنما هي, بالنسبة لهذه الهيئة وما يماثلها من الهيئات, تمثل الأدوار الأساسية للعمل التخطيطي والتنفيذي في آن واحد, ولعل ما سيساعد على النجاح هو أن الأجواء مهيأة والكل متحفز, وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين لشد أزره, في ظل الشعور السائد لدى الجميع بالتأخر وإضاعة السنين في التهوين من المشكلة, وتقاذفها يمنة ويسرة, مثل البالون المنتفخ, وكل يحاول الابتعاد عنه حتى لا ينفجر وهو في حوزته.
نعم, إننا لم نخطط لمواجهة مشكلة الإسكان بما فيه الكفاية, ليس هذا فحسب, بل إن كل ما مارسناه ينبئ عن تجاهل لوجود المشكلة, ناهيك عن تضخمها مع مرور الوقت, رغم معرفتنا التامة بأن تدبير السكن في حياة الأمم لازم كلزوم المطالب الأساسية للحياة والاستقرار, مثل الصحة والتعليم, ويكفي أن المهمة كانت تتناقلها جهات عدة طيلة السنين الماضية, هي: المالية والإسكان والشؤون الاجتماعية, الشؤون البلدية والقروية, والاقتصاد والتخطيط, وأخيرا الهيئة, للتدليل على ذلك.
لن أتكلم كثيرا عن الموضوع, ويكفيني من ذلك ما حملته ثلاث مقالات كتبتها في صحيفة "الاقتصادية" بعيد إنشاء الهيئة (20/4 و11 و18/5/1428هـ), ولكنني حبذت هذه الإطلالة بمناسبة البدء الفعلي بالإحساس بالمشكلة والرغبة في حلها. لأسوق للهيئة الكريمة, ما أرى أنه يمثل خلاصة ما استقيته من واقع تأمل جاد للمشكلة, ومعايشة واقعية لها بعيدا عن التأطير والتنظير, مؤملا أن تجد فيها الهيئة ما قد يصلح للتأمل.
1 ـ أتمنى ألا تشغل الهيئة نفسها بالدخول في بناء المساكن مباشرة, وأن تكون مهمتها التركيز على تقديم التسهيلات والدعم والمساندة لكل جهة تقوم بتوفير المساكن, وذلك تخوفا من أن الدخول المباشر قد يشغل الهيئة ويصرفها عن المهمات الأساسية, ومن أولها التخطيط والدعم والمساندة والمتابعة.
2 ـ إن الدولة وحدها لن تستطيع توفير الوحدات السكنية المطلوبة, مهما يكن الدعم الذي تقدمه, ومعلوم أن أكبر داعم لتوفير المساكن وتمويل تملكها هو الأموال الكبيرة المتكدسة في البنوك, كما هو الحال في الدول الأخرى, بيد أنه يمنع من انطلاقتها في هذا الاتجاه تأخر إصدار نظام الرهن العقاري, وبما أن قرار مجلس الوزراء الصادر في جلسة الإثنين 19 المحرم 1429هـ الشهيرة قد نص في الفقرة 13 منه على إصدار نظام للرهن العقاري والأنظمة المرتبطة به بشكل عاجل, فإن المؤمل أن يكون من أولويات عمل الهيئة متابعة ذلك وإنهائه عاجلا.
3 ـ يعد صندوق التنمية العقارية الذي ظل يعمل أكثر من 30 عاما, هو الذراع الوحيدة للدولة لتمويل المساكن للمواطنين في أنحاء المملكة كافة, وهو الجهاز الوحيد الذي ظل يعمل بإيقاع منتظم لم تتسلل إليه آفة المحسوبية والواسطة, رغم بطء خطواته وتزاحم المواطنين على بواباته, وبلوغ الانتظار فيه مدة يشيب معها الشباب, ويهرم فيها الشيوخ, ورغم ذلك يمكن أن يكون الأداة التنفيذية الوحيدة الجاهزة في يد الهيئة للانطلاق في بناء المساكن, وأي أداة غيره لا يمكن تفعيلها الآن. ولذلك فإنني أرى توجيه المزيد من الدعم والتمويل للصندوق لتحقيق عدة فوائد, منها تخفيف الازدحام وإزالة التذمر من نفوس الناس, وزيادة المعروض من المساكن.
4 ـ أما ما سمي (الإسكان الشعبي) الذي ظهرت تسميته لأول مرة بعد إلغاء وزارة الإسكان وتوزيع مهامها على أكثر من جهة, منها وزارة الشؤون الاجتماعية, التي عهد لها, وهي غير مختصة, بتنفيذ الإسكان الشعبي, الذي رصد له اعتماد مقداره عشرة مليارات ريال, من فوائض الميزانية, ثم أحيلت تبعيته ومسؤولياته إلى الهيئة بعد إنشائها, فإنني آمل النظر أولا في مدى مناسبة تسميته الشعبي, لما يكتنف هذه التسمية من نظرة دونية لقاطنيه, قد تورث عكس ما تستهدف الدولة من إنشائه. ولنا ما يكفي فيما هو بارز من أمثلة في بعض الدول النامية, التي اضطر بعضها إلى إزالة تلك المساكن, لما سببته من إزعاج على المستويين الأخلاقي والسياسي, بل لماذا نذهب بعيدا ولدينا في مدينة الرياض ما سمي الدخل المحدود, واتسم بسمات جعلت الناس ينظرون إليه وإلى ساكنيه نظرة دونية وصلت إلى حد التندر, كما أن لنا في سابقه مشروع الإسكان الشعبي الذي شيد قبل أكثر من ثلاثة عقود في حي الربوة, ثم اضطرت الدولة إلى إزالته لما كان يتصف به من سوء في التخطيط والتنفيذ. وليس هناك أفضل من صندوق التنمية العقارية الذي يتيح للناس فرصة البناء في مدنهم وقراهم والأحياء التي يرغبون فيها بجوار أقاربهم وجماعتهم.
ومن ثم فإنني أتمنى الاستفادة من تجاربنا السابقة وتجارب الغير, والاستغناء عن إطلاق اسم الشعبي على أي مشروع للإسكان, كما أتمنى أن يحول الاعتماد المرصود باسم هذا المشروع إلى صندوق التنمية العقارية ليصرفه فورا لتوفير ما يقرب من 50 ألف وحدة سكنية, فهو الأقدر على تنفيذ الإسكان من دون تسميات قد تكون مسيئة من حيث يقصد بها الإحسان.
إن أسعار الأراضي في المدن الرئيسة لم تعد في متناول يد المواطن الذي لم يمتلك أرضا من السابق, والهيئة لن يكون بمقدورها توفير الأراضي الصالحة للبناء, في وقت قريب, لعدم وجود أراض حكومية صالحة, وعلينا أن نتعظ من تجربة المدارس, فحين توافر التمويل والتفتنا لم نجد الأراضي رغم أنها كانت محتجزة للمدارس ومخصصة لها. بيد أن هناك مجموعة كبيرة من الأراضي وزعتها الأمانات والبلديات كمنح للمواطنين دون أن تتوافر فيها الخدمات, منها ما مضى على توزيعه أكثر من 20 عاما وأصحابها ينظرون إليها بحسرة, وهم يتلهفون على الاستفادة منها, رغم ظهور أسمائهم في قوائم صندوق التنمية العقارية, ولو توافرت إحصائية عن عددها لبلغت حدا يمكن أن يسهم في توفير أراض صالحة للبناء لفئة كبيرة محتاجة من المواطنين.
ومن ثم فإن المطلوب والمرجو من الهيئة العمل على سرعة تطوير تلك المخططات, إما من قبلها مباشرة من الاعتمادات المخصصة لها, وإما إلزام الجهات التي وزعتها وهي غير جاهزة للبناء, بذلك. والله من وراء القصد.