لا حلول سحرية للتضخم في السعودية .. ولكن؟
أوضح الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف وزير المالية السعودي، أنه لا توجد حلول سحرية لمعالجة التضخم في السعودية، وذلك خلال الاجتماع الذي جمعه والأستاذ حمد بن سعود السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، بأعضاء مجلس الشورى السعودي خلال الجلسة الـ (72)، التي عقدت في مقر المجلس بتاريخ 17 شباط (فبراير) 2008.
أتفق تماماً مع الدكتور العساف، أنه لا توجد حلول أو عصا سحرية لمعاجلة التضخم، سواء كان ذلك التضخم في الاقتصاد السعودي في السعودية، أم في غيرها ولكنني أؤكد على أن هناك حلولا عملية للتعامل مع هذه المشكلة الاقتصادية الخطيرة، التي بدأت إرهاصاتها وتفاعلاتها وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد السعودي، تؤرق الحكومة السعودية، ولا سيما أن الاقتصاد السعودي في رأيي يشهد ويعيش حالة من التضخم الذي يعرف بالتضخم المفرط Hyperinflation، الذي عادة ترتفع فيه الأسعار بمعدلات عالية جداً، وتزداد فيه سرعة تداول النقود، الأمر الذي يؤكد عليه تسارع وتيرة مستويات التضخم في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أظهر الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ارتفاعاً خلال عام 2007 ما نسبته 3.1 في المائة عما كان عليه في عام 2006، بينما كان الرقم أقل بكثير من 1 في المائة قبل ذلك.
الحكومة السعودية تنبهت لمشكلة التضخم، التي يعانيها الاقتصاد السعودي، وبالذات بالنسبة للآثار السلبية المترتبة عن ذلك سواء، تلك الاجتماعية المتمثلة في احتمال إعادة توزيع الدخل الحقيقي، والذي يعني إعادة توزيع الدخول بين الطبقة الفقيرة في المجتمع لصالح طبقة الدخول الغنية، وكذلك الآثار الاقتصادية السلبية المتمثلة في الحد من الرخاء والنمو الاقتصادي في البلاد.
تبعاً لذلك استصدرت الحكومة عدداً من القرارات الاقتصادية في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة المنعقدة يوم الإثنين 28 كانون الثاني (يناير) 2008، التي استهدفت جميعها، وكما أسلفت في مقال سابق نشر لي في "الاقتصادية" في العدد 5293، التحسين من المستوى المعيشي للمواطن السعودي خلال السنوات المقبلة، التي لعل من أبرزها وأهمها: (1) تحمل الدولة لنسبة 50 في المائة من رسوم عدد من الوثائق الرسمية، مثال الرسوم الخاصة بإصدار جوازات السفر، والخاصة كذلك بإصدار رخص السير، وأيضاً الخاصة بتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية، وذلك لمدة ثلاث سنوات. (2) إضافة بدل باسم "بدل غلاء المعيشة" بأسلوب تراكمي إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة 5 في المائة وذلك لمدة ثلاث سنوات.
وفقما أشرت في ذلك المقال، أن تلك القرارات لن تسهم في إيجاد أو توفير حلول عملية طويلة الأجل لمعالجة التضخم، لكونها من وجهة نظري حلولا مؤقتة أو بالأحرى مسكنات لتهدئة وتيرة التضخم، وليست هي تلك الحلول الفاعلة للقضاء على التضخم، ومن هذا المنطلق في رأيي أن الحلول العملية لمعالجة التضخم في الاقتصاد السعودي يمكن تلخيصها في التالي:
(1) التركيز على تفعيل استخدام أدوات السياستين المالية والنقدية الخاصة بمعالجة التضخم، وبالذات التي تعمل على تهدئة الوتيرة المتسارعة لنمو الاقتصاد، التي عادة ما تتسبب في حدوث التضخم، هذا إضافة إلى التحكم في كمية عرض النقود (السيولة)، التي وصلت في السنتين الأخيرتين إلى نسب مرتفعة جدا تجاوزت نسبة الـ 12 في المائة، كما أن الأمر لربما يتطلب التخفيض من حجم الإنفاق الحكومي، والذي بدوره يتطلب جدولة المشاريع الحكومية الكبيرة، بأسلوب يكفل عدم حدوث ضغوط تضخمية في الاقتصاد، نتيجة لارتفاع أسعار السلع والخدمات المرتبطة بذلك النوع من المشاريع. (2) الاستمرار في تطبيق سياسات وبرامج مكافحة البطالة بين المواطنين (ذكوراً وإناثاً)، مما سيعمل على تأمين دخول منتظمة للمواطنين والمواطنات تمكنهم من الإنفاق على السلع والخدمات ومن العيش الكريم، وبالتالي هذا سيقلل من الآثار الاجتماعية السلبية للتضخم. (3) استمرار الحكومة في تقديم الدعم اللازم للسلع والخدمات الأساسية والرئيسة، بأسلوب يراعى فيه التوزيع العادل والمدروس بين دخول فئات وطبقات المجتمع المختلفة. (4) التوسع في المشاريع الإنتاجية، لكون ذلك سيعمل على استحداث وخلق وظائف جديدة في الاقتصاد، ستعمل، كما أسلفت، على تأمين دخول منتظمة للعاملين، تمكنهم من الإنفاق على السلع والخدمات الرئيسة. (5) التعامل مع مشكلة الإسكان التي تشهدها البلاد، وبالذات المتعلقة بالارتفاع الملحوظ الذي شهدته الوحدات السكنية المستأجرة، وذلك من خلال التوسع في مشاريع الإسكان الشعبي، وإعادة النظر في سياسات تمويل بنك التنمية العقاري، وكذلك وضع حد أعلى لنسبة ارتفاع الإيجارات. (6) إحكام قبضة الرقابة على الأسواق التجارية ومراقبة الأسعار، بما في ذلك القضاء على جميع وسائل وأساليب الاحتكار. (7) تفعيل دور جمعية حماية المستهلك، وبالذات فيما يتعلق بالدور المرتبط بتوعية المستهلك بترشيد الاستهلاك واللجوء إلى استخدام البدائل، (8) توجه التجار للبحث عن مصادر استيراد جديدة للسلع والخدمات تكون أقل تكلفة من المصادر الحالية. (9) التفكير الجاد في رفع قيمة الريال السعودي، بالقدر الذي يعوض الانخفاض الذي حدث في قيمته مقابل العملات الرئيسة نتيجة لربطه بالدولار الأمريكي، وانخفاض قيمة الأخير بأكثر من 20 في المائة خلال الفترة الماضية أمام العملات الرئيسة.
في رأيي أن تطبيق مثل هذه الحلول العملية للتعامل مع مشكلة التضخم في بلادنا، سيعمل في نهاية المطاف على إحداث توازن بين نمو الاقتصاد المتسارع والتكاليف المترتبة عن ذلك، وبالتالي سينعم اقتصادنا بمستويات تضخمية معقولة ومحتملة، تمكن المواطن من التعايش معها، وبما لا يؤثر بشكل كبير في إمكاناته المالية ودخله الثابت، وبالله التوفيق.