"نطّوا عليك الحرامية!"

[email protected]

سأروي لكم اليوم قصة حقيقية، عن شخصية أسطورية، كانوا يخيفوننا بها صغارًا فنظنها وحشا بشع المنظر ضخم الجثة لزج الملمس. كنت وإخوتي نخاف أن ندوس بأقدامنا في الليل خارج السرير خشية أن نطأ شيئاً لزجاً من بقايـا الحرااامي!! نعم الحرامي الذي اكتشفنا أنه بشر مثلنا بل (وله جلد ويتنفس!). كنت أعود صديقة لي في المستشفى، وكانت تزورها خالتها التي تقطن أحد أحياء جدة الشمالية. قالت الخالة زين إنها خرجت وعائلتها لتناول الغداء الجمعة الفائتة ثم قرروا فجأة العودة بعد إلغاء فكرة التمشية على كورنيش البحر. فتحت الابنة باب الفيلا والخالة زين تتبعها بينما كان الأب يوقف السيارة. عندما بدأت الخالة زين صعود السلالم والابنة وراءها بعد إضاءة الكهرباء - بدون سابق إنذار - ظهر شاب مهندم ذو شعر مسترسل على كتفيه، مملوح الوجه (مشرئب العضلات منتوخ الفتكات، شلولخ!!) وهرول نازلاً بخطوات رشيقة وزميله من خلفه يلوح مهدداً بمسدس!! وبلا مقدمات، دفعوا خالة زين إلى الخلف لترتطم بالجدار وخرجوا من الباب قافزين كقرود مدربة إلى ساحة منزل الجيران الخلفية!! خرجت الاثنتان للشارع في حالة هيستيرية تتراوح بين الصراخ والحشرجة مرددين "نطوا علينا الحراميّة!" والأب في حالة ذهول! اتصلوا بالشرطة عدة مرات، وأزعجوا دورية المرور المارة بالصدفة، لكنهم قالوا إن الأمر من اختصاص الشرطة!!
كانت الخالة زين تحكي لي وأنا أضرب كفاً بكف!! الذي حصل أن الشرطة لم تستطع تحديد مكان المنزل بالضبط ولا حتى بمشروع (واصل) البريدي! يتوه كل أهل البلد لأن بعض الشوارع بلا أسماء وبعض البيوت بلا أرقام، بينما تتمكن مطاعم الوجبات السريعة من تحديد عناوين البيوت، وفي الأحياء العشوائية، بمكالمة تليفون واحدة!! المهم أرسلوا لهم من يحضرهم من محطة الوقود القريبة بعد 50 دقيقة من السرقة!! حضر شخصان فقط وبدأت التحقيقات، أخبرهم الأب بتلقيهم مكالمات غريبة لمدة أسبوع قبل وقوع السرقة، ثم قام بمحاكاة ما فعلوه (وأن السارقين نطّوا) هاربين فوق السور الخلفي، فأحضر الأب السّلم وأشار للشرطي بأن يصعد ليرى المكان، فرفض بدعوى أنه لا يستطيع تسلق السور لأنه عالٍ!! فسكت الأب لأن الشرطي من أصحاب الأوزان الثقيلة الذين يُخشى سقوطهم!!
أصابني ذهول مشوب بضحك وإحساس بالحسرة والخوف في الوقت نفسه وأنا أستمع لها . ما هذا الذي يكدّر أمننا ؟ ماالذي فعلته ظاهرة الشباب العاطل في أمن بلادنا !! ثلةٌ تخالهم من أسرٍ مرموقة ، ليس بهم فاقـة ، إنما هي الصفات المتناقضة من مجازفة وتهور ، وربما الجبن والخوف وقوة القلب معاً ! ! هذه الشريحة جرفتها هاوية البطالة والفراغ وغياب الرعاية الأسرية والعقاب الرادع ، فاستباحوا الشوارع وحرمة البيوت بلا حسيب أو رقيب. فمن سيارات إلى منازل إلى جوالات! (ويابخت) شركات الحراسة الخاصة، لأنه وعلى هذا المنوال، سيقوم كل حي بالتعاقد مع حراس للقيام بدور(العَسس) ليلاً، ودرء نيات الحراميّة اللئام نهاراً!!
نحن ندين بالفضل والفخر والاعتزاز لرجال الأمن والمرور وحرس الحدود على كل ما يفعلونه لنبقى في سربنا آمنين، وما الإنجازات الأخيرة في مكافحة الإرهاب، إلا نتاج تعاون المواطن مع رجل الأمن ودعم ولي الأمر. لذا نريد لجنودنا أن يمارسوا مهام عملهم بمهارة فـائقة. نريد الجندي السعودي أسداً غضنفر مفتول العضلات ذا لياقة بدنية عالية، لتحل الرهبة في قلوب من تسول لهم أنفسهم إيذاء الناس. نريده مغيثاً للملهوف قاضياً للحاجات معيناً على تحمل البلوى التي أصابت أهلها. نحن نتحدث عن مشروع أمني تتكامل فيه خدمات المرافق الأمنية التي وُجدت لراحة ورفاه المواطن وليس إنكار ذات العلاقة ورمي الكرة في ملعب الجهة المسؤولة، فالأمن والأمان مسؤولية الجميع.
وها أنا كلما مرّت بجواري سيارة شرطة أو موتوسيكل يركبه رجل مرور، أفتش عن الأُسُود (الغضافر) فعلاً وشكلاً وزئيراً .. وأتمنى على الله الأماني .. وأردد .. "عشرة عشرين تلاتين ميّة"، نطوا علينا الحرامية، عسكر فوق .. وعسكر تحت، مشي الحال ِيا خالة زين!! استعوضي الله وسامحي الحراميّة!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي