"أحكام قضائية في العقار-2-"
أشرت في المقال السابق إلى صدور الإصدار الثاني من مدونة الأحكام القضائية من وزارة العدل, وتضمنها عددا من الأحكام المتعلقة بالعقار, ومن هذه الأحكام: ما ورد في الصك رقم 8 في 21/5/1422هـ الصادر من المحكمة العامة في ثادق, وتتلخص وقائع القضية في أن المدعي اشترى من المدعى عليه أرضا في الرياض بمبلغ قدره أربعون ألف ريال, وأنه حين الشراء لم يشاهد الأرض وإنما وصفت له من قبل البائع "المدعى عليه", وقد تبين له فيما بعد أنه غبن فيها غبنا فاحشا حيث إن الأرض لا تساوي أكثر من ثمانية آلاف ريال, وأنه قد فسخ البيع من قبله ويطلب من المدعى عليه إعادة المبلغ, وقد عرض القاضي الدعوى على المدعى عليه وأقر بكل ما فيها إلا ما يتعلق بقيمتها الحالية فلا يعلم عنه شيئا, وأنه غير مستعد لإعادة المبلغ. وقد استعان القاضي بالخبراء "هيئة النظر ومعها بعض المكاتب العقارية" للإفادة عن وجود الغبن من عدمه فقرروا أن هناك غبنا واضحا حيث إن الأرض لا تساوي أكثر من عشرة آلاف ريال.
واستنادا إلى ما سبق من وقائع, ولما قرره الخبراء من وجود الغبن الواضح, ولما قرره الفقهاء من أن من غبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة فله حق الخيار في الفسخ, وأنه لا يتوقف على حكم حاكم, فقد حكم القاضي بأن البيع منفسخ وأن على المدعى عليه إعادة المبلغ للمدعي, وقد صدق الحكم من محكمة التمييز بالقرار رقم 622/ق2/أ في 26/8/1422هـ.
وتعليقا على هذه القضية يلاحظ ما يلي:
أولا: أن موقع الأرض في الرياض, والدعوى منظورة في محافظة ثادق, اعتبارا لمحل المدعى عليه لنص المادة (34) من نظام المرافعات الشرعية, حيث لا أثر لمحل العقار في تحديد الاختصاص لمحلي خلافا لما هو شائع عند كثير, وإنما له تأثير في الاختصاص الدولي, وبينت ذلك بالتفصيل في مقالة مستقلة.
ثانيا: يلاحظ أن المدعي قرر أنه لم ير الأرض حين العقد وإنما وصفت له, وصادقه على ذلك المدعى عليه, ومع ذلك لم يقرر الحكم تأثير ذلك في العقد وصحته, وسببه: أن العلم الرافع للجهالة يتحقق برؤية المبيع أو وصفه وصفا كافيا, والمبيع هنا موصوف.
ثالثا: قرر الحكم حصول الغبن الواضح استنادا إلى تقرير الخبراء, وهذا يعني أن المعمول به هو أن تحديد ذلك يرجع إلى العرف, حيث لا يوجد في الأنظمة تحديد لذلك والفقهاء مختلفون في تحديده.
رابعا: أرقام مهمة في القضية, افتتحت الجلسة الأولى في 12/3/1422هـ, تاريخ الحكم في 21/5/1422هـ, تاريخ مصادقة التمييز في 26/8/1422هـ, إذ استغرق نظر القضية خمسة أشهر وأربعة عشر يوما, شاملا قيدها والجلسات والكتابة للخبراء في الرياض, ومن ثم الحكم فيها, ومدة الاعتراض, والمصادقة عليها من محكمة التمييز في الرياض.
الخلاصة: أنه بقدر ما أن هناك تأخر في البت في بعض القضايا, فالكثير منها يفصل فيه في وقت مقبول, والله أعلم.