نهاية مصرف سعودي (2 من 2)

[email protected]

تثير عملية استحواذ تحالف مكون من ثلاث مؤسسات مالية أوروبية مختلفة المنشأ، والنشاط على مصرف أي بي إن أمرو الهولندي، وانعكاسات ذلك على البنك السعودي الهولندي "الهولندي", العديد من التساؤلات ليس حول نهاية أقدم مصرف يعمل في السعودية فحسب، وإنما حول مرونة وخواص ومحفزات ومقومات ودوافع ومستقبل هيكل القطاعات المالية الأوروبية وتطوراتها، وانعكاسات هذه التطورات على العلاقة البينية مع القطاعات المالية الخليجية، بشكل عام، والقطاعات المالية السعودية، بشكل خاص.
حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات من واقع عمليات اندماجات واستحواذات القطاعات المالية الأوروبية وتطوراتها خلال الأعوام العشرة الماضية، وانعكاسات هذه العمليات على مستقبل هذه القطاعات. تناول الجزء الأول من المقال تفاصيل هذه الدراسة، ويتناول هذا الجزء نتائجها وتوصياتها.
توصلت الدراسة إلى عدة نتائج مفيدة تشكل في مجملها إجابة شمولية عن التساؤلات ليس حول نهاية أقدم مصرف يعمل في السعودية فحسب، وإنما حول مرونة، وخواص، ومحفزات، ومقومات، ودوافع، ومستقبل هيكل القطاعات المالية الأوروبية وتطوراتها، وانعكاسات هذه التطورات على العلاقة البينية مع القطاعات المالية الخليجية، بشكل عام، والقطاعات المالية السعودية، بشكل خاص.
من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ما يلي:
ـ نمو عدد عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاعات المالية الأوروبية من 41 عملية في 1993 إلى 81 عملية في 2004.
ـ اعتبر عام 2001 عام الاندماجات والاستحواذات بموجود 111 عملية.
ـ تتجه عمليات الاندماج والاستحواذ إلى اتباع استراتيجيتين شهيرتين. الاستراتيجية الأولى اندماجات بينية بين المصارف التجارية في الدولة الأوروبية الواحدة. والاستراتيجية الثانية اندماجات بينية بين المؤسسات المالية الأوروبية لتكوين كيانات مالية دولية.
ـ حازت شركات المملكة المتحدة النصيب الأكبر من عمليات الاندماج والاستحواذ بوجود 57 في المائة من مجموع عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المالي الأوروبي. تشير هذه النتيجة إلى توجهات المجموعات المالية ذات الأصل البريطاني في الفترة الزمنية المقبلة.
ـ شكلت القيمة السوقية لعمليات الاندماج والاستحواذ قرابة 10 في المائة من القيمة السوقية للقطاع المصرفي الأوروبي.
ـ معظم عمليات الاندماجات والاستحواذات داخل الدولة الأوروبية الواحدة النسبة الأكبر من عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي الأوروبي.
ـ تميزت عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي الأوروبي بزيادة عدد المؤسسات الاستثمارية الداخلة في هذه العمليات.
ـ تميزت عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي الأوروبي بزيادة عدد العمليات بين القطاعات الاقتصادية الواحدة.
توصلت الدراسة أيضا إلى خمسة أسباب رئيسة دعت المؤسسات المالية الأوروبية إلى الدخول في عمليات اندماج واستحواذ. من أهم هذه الأسباب تحسين الأداء المالي، توسع الرؤية الاستراتيجية، تفعيل الدوافع الشخصية، تطوير المناخ الاقتصادي، وتقوية الإطار القانوني.
كما توصلت الدراسة أيضا إلى أربعة دوافع رئيسة دعت المؤسسات المالية الأوروبية إلى الدخول في عمليات اندماج واستحواذ. من أهم هذه الدوافع زيادة حجم المؤسسة المالية، زيادة اقتصادياتها في جانبي السعة والتمركز، وزيادة الإطار التنظيمي.
تقود نتائج الدراسة إلى البحث في محفزات عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاعات المالية الأوروبية. أشارت الدراسة إلى ثلاثة محفزات شكلت في مجملها أهم هذه المحفزات. المحفز الأول تأسيس السوق الأوروبية المشتركة وتفعيلها، وانعكاسات ذلك على التجارة البينية الأوروبية. والمحفز الثاني تأسيس العملة الأوروبية الموحدة، اليورو, وتفعيلها، وانعكاسات ذلك على الملاءة المالية للاقتصاد الأوروبي. والمحفز الثالث إنشاء قانون الخدمات المالية الأوروبية وتفعيله ونعكاسات ذلك على تشريعات المعاملات المالية الأوروبية.
أوصت الدراسة بمجموعة من التوصيات القانونية والاستراتيجية حول مستقبل عمليات الاندماج والاستحواذ. من أهم التوصيات القانونية أهمية المراقبة المستمرة للنشاط المالي بين دول الاتحاد الأوروبي، أهمية وجود هيئات إشرافية بين دول الاتحاد الأوروبي، وضرورة وجود جهة إشرافية في كل دولة أوروبية لمتابعة الإشراف على المؤسسات المالية ذات النشأة من دولة أخرى. من أهم انعكاسات هذه التوصيات القانونية على القطاعات المالية الخليجية ومثيلاتها السعودية أهمية إنشاء وتفعيل دول المؤسسات الخليجية بين دول الخليج العربي. من الأمثلة على ذلك وكالة أمانة دول مجلس التعاون الخليجي للشؤون الاقتصادية ودورها في هذا الجانب، ومجالس التنافسية الاقتصادية المختلفة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
أهم التوصيات الاستراتيجية زيادة ثقلي الجانبين الرقابي والهيكل التنظيمي للشركات الداخلة في عمليات الاندماج والاستحواذ. من الأمثلة على ذلك التطورات الحاصلة في هيكلة شركة الاتصالات السعودية بعيد فوزها برخصة الجوال في الكويت، وإيفادها فريقا تنفيذيا على مستوى إدارة عامة، عوضا عن قطاع، لتولي مهمة تأسيس الشركة الجديدة هناك. من التوصيات الاستراتيجية أيضا أهمية فهم ثقافة الدولة الحاضنة لعمليات الاندماج والاستحواذ، وانعكاسات ذلك على القدرة التسويقية للشركة في سوقها الجديدة. من الأمثلة على ذلك عقد بيع العينة المعمول به في القطاع المصرفي الإسلامي الماليزي، وانعكاسات ذلك على منتجات وخدمات مصرف الراجحي "الراجحي" في ماليزيا، كون مثل هذا العقد يحمل بعض التحفظات لدى الهيئات الشرعية للمصارف الخليجية.
من التوصيات الاستراتيجية أيضا أهمية تطوير ثقافة الشركة الداخلة في عمليات الاندماج والاستحواذ بعد نجاحها، وانعكاسات ذلك على هويتها الوطنية. من الأمثلة على ذلك ثقافة الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" في تصنيع المواد البتروكيماوية المختلفة، وانعكاسات ذلك على هويتها الداخلية بعد فوزها بعملية الاستحواذ على وحدة البلاستيك في "جنرال إلكتريك".
عندما ننظر إلى واقع القطاع المصرفي الخليجي، بشكل عام، والقطاع المصرفي السعودي، بشكل خاص، من منظور نتائج هذه الدراسة، مع الأخذ في الاعتبار التباين بين القطاع المصرفي الأوروبي، والقطاع المصرفي الخليجي، والقطاع المصرفي السعودي، فإنه من الممكن وضع اللمسات الأولية للإجابة عن التساؤلات حول مستقبل القطاعات المالية الخليجية، والقطاعات المالية السعودية في جانب عمليات الاندماج والاستحواذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي