تعب الهوى قلبي!!

[email protected]

تراودنا ذكريات قديمة حين كنا صغاراً لا نحمل ما يؤرقنا، وتتدحرج في الخواطر كلمات لا نذكر أين ومتى سمعناها، عبارات كانت تمر مرور الكرام على الآذان وإذ بنا فجأة نستدعيها من اللاوعي بلا استئذان .. حدث منذ يومين أنه طرقعت في رأسي عبارة "تََعَبِ الهوى قلبي. كنت أرددها وأنا صغيرة بريئة لا أعبأ بالبارد أو الساخن من الهوى فأقول:) كَعَبِ الهوى قلبي) دون أن أدري أنها خطأ وأنه ليس هناك علاقة البتة بين الكَعْب والهوى وتعب القلب !
ومع مرور سنوات النضج، سألت من حولي من نساء العُربان، سؤالاً بريئاً وشقياً في الوقت نفسه: عن أسباب بحثنا عما يشغلنا بعد أن يبلغ الهوى مكمنه وتطمئن النفس إلى نصيبها، لماذا وبكامل التقصد نمارس الملل حتى نخنق الأحلام بأيدينا؟ لماذا نترك الهوى يُتعب القلب؟ ولم التعلق بالأشياء والأشخاص يغلب تعلقنا بالفكرة ؟ وبخالق الفكرة ؟ ومع الأسف لم أجد شفاءً من الحيرة وماحولنا يضج بالترّهات !
يمتد الزمان لثلاثة آلاف سنة، ويمتد المكان ليشمل الأرض بمن عليها وتظل الفضائل هي الصامدة لمحك الزمان والمكان. وقد قرأت أن فريقاً من العلماء المتميزين قام بتمحيص الكتابات الأساسية في الأديان الكبرى والفلسفات ليصلوا إلى حصر ما عدوه فضائل virtues وما يعتبر قيماً مستقرة في كل زمان ومكان حتى لو لم تكن عالمية . ومما أثار الدهشة أن ستة فضائل فقط صمدت لهذا المحك وهي: الحكمة والمعرفة، الشجاعة، الحب والإنسانية، العدل، الاعتدال وأخيراً الروحانية والتسامي.
ما أريد التركيز عليه هي فضيلة الإنسانية التي تتحقق في الرحمة والقدرة على منح الحب وتقبّل الحب والتضحية. حيث يتضاءل الشعور بذلك هذه الأيام، لأننا كثيراً ما نصادف مواقفاً ترغمنا على البوح وتستفز النطق فينا ، بينما الذي أمامنا خاوي الوفاض .. فرحٌ بالقفز على الأنقاض،جاهزٌ لكل أنواع الفتور والسبهللة والنكران. فلا هو من المانحين ولا هو في عداد الممنوحين! نحن في عصر ٍنبحث فيه عن التواصل بشدة، ويموت بعضنا جزئياً وتدريجياً كلما رحل الأحبة عن عالمه، يموت جزء منا كلما دمّر أحدهم أحلامنا ، حتى ينتهي مشوار العمر وقد أعلنت باقي الأجزاء استسلامها. لنعود ونسأل عن حقيقة الحياة الطيبة ! سؤال طرحه أرسطو منذ 2005 عام: ما الحياة الجيدة؟ وكيف يكون الإنسان سعيداً ؟ تَعبُ القلب يا سادة يتعلق بفقد القدرة على السعادة. فليس هناك سعادة مطلقة أو شقاء مطلق، إنما كما يقول ديكارت ،هو تفكيرنا الذي يشعرنا بأحدهما. ويظننا البعض عاجزون لأننا نتكلم بإيجابية محاولين جمع النيّة والقدرة والتوفيق والإصابة حتى تتم السعادة . قولوا لي كيف ؟ وأقول إن ما كُلُّ من أراد شيئاً قدر عليه ،ولا كُل من قَدِرَ على شيء وُفق له ،ولا كُل من وُفق أصاب له موضعاً ...(وهذا ليس رأيي بل رأي أحد حكماء العرب ) ، فإذا حاولنا تجميع الأربعة فإننا نُصيب السعادة ولايهمنا تعب الهوى و لا الكعب ولا الغزال !!!
أتحدث عن محبة لوجه الله لا تشقي القلب لأننا لا نريد مقابلاً لها .. أتحدث عن تضحيات تُقدم بلا انتظار ثمن.. وبلا تعب قلب أو (كَعْبٍ أو رِجْل) ! عن اُناس نُودهم ويُوِدونا .. هكذا فقط بلا مَنٍّ ولا وصبٍ ولا تنازلات ..أناس يروون جفاف قلوبنا ويسقونها بماء اللطف والمبادرة والدماثة فنظل أقزاماً لا نجاريهم في حجم العطاء. فما بال أناسٍ يقطعّون خيوطاً وحبالاً وعرىً وثيقة بدعوى المصالح !! مابال غدر الفجأة يقتضي عند البعض المسكين، وقتاً أطول للشفاء؟!
أدعو الله أن يرحمنا من تعب القلوب ومغبّة التعلق بغيره ، في رحلة نكون فيها من السعداء ، وإن تعبنا فمن رحِم التعب يخرج الاستغنــاء .. عهد ٌ أقطعه على نفسي أني لن أتوقع الكثير وأنه منذ اليوم .. لا مزيد من (كَعَبِ الهوى) أقصد (تعبِ الهوى ألبي) !! تحياتي إلى كل قلب صامد. إلى اللقاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي