هل السوق تعكس القيمة الحقيقية للأسهم؟

[email protected]

هذا واحد من الأسئلة التي يبدو للكثير أن الإجابة عنها أسهل بكثير من السؤال نفسه، ولكن في حقيقة الأمر هذا السؤال ليس له إجابة ولسببٍ بسيط جداً، وهو أن القيمة الحقيقية للأسهم غير معروفة، وإنما كل ما نستطيع القيام به هو تقديرها، ولذلك نسميها اصطلاحاً بالقيمة العادلة وليست القيمة الحقيقية. وهذا التقدير للقيمة العادلة للسهم يقوم على عدة افتراضات قد تصيب وقد تخطئ لأنها مبنية على تنبؤات بأحداث مستقبلية قد تقع أو لا تقع، وأيضاً هذه الافتراضات تختلف باختلاف طرق التقييم المستخدمة، فهناك عدة نماذج تستخدم لتقدير قيّم الشركات (الأسهم)، منها النسب المالية البسيطة مثل مكرر الربحية أو مكرر الربحية مقسوماً على نسبة النمو المقدرة للأرباح وهذه النسب المالية البسيطة عبارة عن أدوات تقريبية Popular rules of thumb قد تنقصها الدقة والمصداقية اللتان تتوافران بدرجاتٍ مُختلفة في بعض طرق التقييم المالية الأكثر تعقيداً والتي تحتاج إلى عدد من التقديرات التي بدورها تعتمد على التنبؤ بالأحداث المحتملة التي قد تؤثر في تلك التقديرات، على المديين المتوسط والطويل. ومن أشهرطرق التقييم المشار إليها النماذج الثلاثة التالية (ما بين الأقواس ليس ترجمة حرفية وإنما محاولة لتقريب المفهوم للقارئ غير المُتخصص):
(1) The residual income model (الدخل المتبقي بعد خصم تكلفة رأس المال المستثمر).
(2) The discounted cash flow model التدفقات النقدية المستقبلية المخصومة للشركة).
(3) The dividend discount model (استخدام الأرباح الموزعة للتوصل إلى قيمة الشركة).

النموذجان الأول والثاني هما الأكثر استخداما من الأخير (نموذج التوزيعات) الذي يمكن استخدامه في تقييم الشركات الكبيرة ذات التوزيعات الثابتة على فترة زمنية طويلة، ولكن من الصعوبة تطبيقه على الشركات التي ليست لديها سياسة توزيعات أرباح ثابتة أو الشركات سريعة النمو التي لا تدفع توزيعات. ولكن المشترك بين هذه الطرق هو أنها جميعاً تقوم على عدة افتراضات، فالنموذج الثاني (نموذج التدفقات النقدية المخصومة) على سبيل المثال يقوم على تقدير التدفقات النقدية المستقبلية للشركة (هذا يتطب تقدير هذه التدفقات النقدية ونسبة نموها السنوية ولفترات غير محددة) ومن ثم خصم هذه التدفقات النقدية المُقدرة باستخدام تكلفة رأس المال للشركة وهذا الأخير غير معروف وإنما يتم تقديره أيضاً.
هذه النماذج على الرغم بما فيها من عيوب ونواقص إلا أنها أفضل الموجود وتستخدم كأدوات استرشادية على نطاقٍ واسع من قبل بيوت الاستثمارات العالمية على مختلف أحجامها وأهدافها. فمجرد اختلاف، مهما كان بسيطاً، في الفرضيات والاحتمالات التي بُنيت على أساسها الأرقام المستخدمة في طريقة التقييم المُتبعة قد يؤدي إلى تباينات كبيرة في القيمة المُقدرة للسهم، فعلى سبيل المثال، قبل أسابيع قام أحد البنوك العالمية من خلال فرعه في المملكة برفع تقييمه لسهم شركة سابك من 165 إلى 230 ريالاً، فهل هذا يعني أن القيمة العادلة لسهم شركة سابك 230 ريالاً؟ هذا يعتمد على الفرضيات التي استخدمت في التقدير، فأنا استخدمت طريقتي التقييم الأولى والثانية لتحديد القيمة العادلة لسهم شركة سابك مفترضاً ثلاثة احتمالات أو (سيناريوهات):
(1) أفضل حالة The best case scenario.
(2) أسوأ حالة .The worst case scenario
(3) الحالة الأكثر احتمالاً .The most likely scenari
هذه الاحتمالات افترض فيها أن الأرباح التشغيلية ستنمو خلال السنوات الخمس المقبلة بنسب مختلفة حسب التوقعات لكل حالة من الحالات الموضحة، أما نمو الأرباح المتوقع بعد السنة الخامسة فاتخذ عدة احتمالات مثل: استمرار الأرباح عند مستواها نفسه في نهاية السنة الخامسة، نمو متناقص حتى يصل إلى المتوسط ومن ثم يستمر النمو عند هذا المعدل، نمو مساو لمتوسط معدل نمو الصناعة، أو نمو بنسبة ثابتة سنوياً مثل 5 في المائة، فكانت النتائج متقاربة في كل من الطريقتين، والنتائج التالية حسب طريقة الدخل المتبقي The residual income model.
(1) بالنسبة لأفضل حالة فإن القيمة العادلة لسهم شركة سابك تقدر بـ 215 ريالاً.
(2) بالنسبة لأسوأ حالة فإن القيمة العادلة لسهم شركة سابك تقدر بـ 171 ريالاً.
(3) بالنسبة للحالة الأكثر احتمالاً فإن القيمة العادلة لسهم شركة سابك تقدر بـ 196 ريالاً.
هذه التوقعات يجب أن تُقرأ في ظل المحاذير التالية:
أولاً: نمو الأرباح الجيد المتوقع لهذا العام مقارنة بالعام الماضي يعود لعدة عوامل قد لا تكرر في كثيرٍ من السنوات، مثل الاستحواذات وزيادة الطاقة الإنتاجية التي قامت بها الشركة أخيراً، وكذلك ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته خلال هذا العام، خاصة خلال النصف الأخير منه، وهذا بدوره أدى إلى زيادة الإيرادات، ولكن هذه الزيادة في الأسعار لم تظهر بشكل كامل في تكلفة المبيعات حيث إن الإيرادات تعكس الأسعار الجارية بينما تكلفة المبيعات تعكس الأسعار السابقة مما جعل الأرباح تبدو أكثر من مستواها الحقيقي.
ثانياً: احتمال أن تتجاوز أسعار النفط عتبة 100 دولار، وربما تبقى فوق هذا المستوى فترة طويلة، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج التي بدورها ستضغط على أرباح الشركات من جانب وترفع معدلات التضخم (ضعف القوة الشرائية للمستهلك) من الجانب الآخر مما ينتج عنه انكماش في الاقتصاد العالمي، وهذا سيكون له تأثير مباشر في مبيعات شركة سابك حيث إن طبيعة أنشطتها وتركزها في منتجات متعلقة بأسعار النفط ومشتقاته تجعل مبيعات الشركة عرضة لتقلبات أسعار الطاقة والمد والجزر في الاقتصاد العالمي. من وجهة نظر الكثير من الاقتصاديين (وأنا أتفق مع هذا الرأي) أن الأسعار العادلة للنفط في حدود 70 دولاراً للبرميل، فأي ارتفاع للأسعار عن هذا المستوى ستكون له آثار سلبية في نمو الاقتصاد العالمي. ومن هذا المنطلق فإن الارتفاعات الأخيرة في أسعار الطاقة ربما تؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي خلال الـ 18 شهراً المقبلة (المدة الزمنية اللازمة لوصول أثر التغير في تكلفة الإنتاج لمعظم السلع للمستهلك النهائي).
ثالثاً: هناك بعض الأسئلة حول قدرة وحدة البلاستيك التي اشترتها "سابك" من شركة جنرال إلكتريك في المدى المتوسط على تحقيق نمو في الأرباح يعوض المبلغ الكبير الذي دفعته شركة سابك (كشهرة) لإتمام الصفقة زيادة على قيمتها العادلة والذي لم يتم تحديده بعد، ولكنه قد يصل إلى 4.6 مليار دولار، فارتفاع أسعار الطاقة ومشتقاتها وبُعد مقر الشركة (وحدة البلاستك) عن مصادر المواد الأولية لن يساعدا كثيراً في تخفيض تكاليف الإنتاج التي هي المشكلة التي من أجلها عرضت "جنرال إلكتريك" الوحدة للبيع، فضعف نمو الأرباح خلال السنوات الثلاث المقبلة ربما يجبر الشركة على تحميل جزء كبير من مبلغ الشهرة المشار إليه على دخل السنوات المقبلة كخسائر هبوط في قيمة الشهرة.
رابعاً: ارتفاع تكلفة الإنتاج والتكاليف الأخرى ربما يؤدي إلى تأخير خطط الشركة لزيادة طاقتها الإنتاجية والتوسع في عدد من الأسواق.
خامساً: أزمة الرهن العقاري في السوق الأمريكية قد تستمر إلى ما بعد نهاية الربع الأول من العام المقبل، وهذا يعني أنها قد تتحول إلى نوع من الكساد الاقتصادي الذي ربما يستمر لفترة زمنية تراوح بين 14 و22 شهراً (المتوسط التاريخي للكساد الاقتصادي) قبل أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي من تبعاته، وهذا حتماً ستكون له آثار سيئة جداً في نمو الاقتصاد العالمي على النحو المشار إليه أعلاه.
فلو تم أخذ الاحتمال الأخير (الحالة الأكثر احتمالاً) على أنه الأقرب للقيمة العادلة لسهم شركة سابك (وهذا الأقرب للصحة من وجهة نظري على أقل تقدير) فإن الفرق بينه وبين تقدير البنك المشار إليه نحو 34 ريالاً، أي أن البنك قيّم سهم "سابك" بأكثر من قيمته العادلة بنحو 17 في المائة، مع الملاحظة أن هذا الاختلاف لا يعني أن تقييم البنك خطأ وتقديري صحيح أو العكس، ولكن الاختلاف ربما يرجع لاختلاف الفروض التي استخدمت في تقدير نمو الأرباح، أو تكلفة رأس المال، أو ربما يعود الفرق لاختلاف نموذج التقييم المُستخدم، أو لأي اختلافات أخرى مثل حصول البنك على معلومات ليست متوافرة لديّ (جميع المعلومات التي اعتمدتُ عليها في توقعاتي هي معلومات عامة ومنشورة).
فمن وجهة نظري، هذا الفرق ليس مهماً في حد ذاته وليس الهدف من كتابة هذا المقال ولكن النقطة المهمة التي أود الوصول إليها هنا هو أن التقييم الذي يتم التوصل إليه باستخدام أحد طرق التقييم المختلفة يجب أن يُنظر إليه على أنه قيمة مقدرة للاسترشاد بها وليس على أنه كتابٌ منزل. فكما أسلفت جميع هذه التقديرات مبنية إلى حدٍ كبير على استقراء للمستقبل الذي علمهُ بيد الله - عز وجل - ولكن هذه التوقعات تتم بناء على تحليل للمؤشرات الاقتصادية الحالية الخاصة بالمنشأة موضوع التقييم والبيئة التي تعمل فيها هذه المنشأة، إضافة إلى العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في قدرة المنشأة التنافسية، ومن ثمّ مد هذه التحليلات للفترة المقبلة مع الأخذ في الحسبان أثر التغير في سوق منتج المنشأة والأحداث الأخرى المستقبلية التي يمكن أن يكون لها تأثير في هذه المؤشرات.
فمثل هذه التقديرات يجب ألا تؤخذ على إطلاقها، بل يجب مقارنتها مع تقييمات أخرى إذا أمكن، ومع مكرر ربحية الشركة موضوع التقييم أو مع مكرر الربحية مقسوماً على نمو الأرباح، ولكن يجب ألا تُحتسب هذه النسب المالية بناء على نتائج فترة مالية واحدة، حيث إن هذا يجعلها عرضة للقيم الخارجة عن النطاق الطبيعي أو ما يُعرف بـ Extreme value فمن الأفضل استخدام المتوسط لثلاث فترات أو فترتين على الأقل، وأيضاً يمكن إدخال بيانات فترة مستقبلية واحدة ضمن احتساب هذا المتوسط إذا كانت هناك ثقة بالأرباح المتوقعة لهذه الفترة، وهذا أمر في غاية الأهمية، فالأبحاث التي تناولت السوق الأمريكية خلال العقود الثلاثة الماضية وجدت أن كثيراً من التوقعات يغلب عليها صفة التفاؤل المفرط لأسباب كثيرة، لعل من أهمها عدم الاستقلالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي