الثقة بسوق الأسهم في مهب الريح!!
الانخفاض الذي حدث في سوق الأسهم الأسبوع الماضي وربما بداية هذا الأسبوع - فأنا أكتب هذه المقالة يوم الجمعة - أقول إن الانخفاض وبالطريقة التي حدث بها يعد ضربة قوية لمناخ الاستثمار في المملكة وسيسهم في خروج أموال كبيرة من السوق لمدة طويلة وهو لا يخدم اقتصاد المملكة ولا يتفق مع سياسة المسؤولين فيها، وإذا فقدت الثقة بالسوق لا يمكن القول إن لدينا سوقا للأسهم جاذبة لمدخرات المستثمرين وأموالهم، وستبقى سوقنا ملعبا للقلة التي تتحكم فيها، التي سيأتي الدور عليها لتصفي حساباتها مع بعضها بعضا بعد ما أخرجوا صغار المستثمرين منها بخسائر ضخمة.
ولعلي أسوق للإخوة في هيئة السوق المالية بعض الأسئلة التي تعبر عمّا يجول في الخاطر وأنا أرى المؤشر يفقد خلال ثلاثة أيام نصف مكاسبه خلال ثلاثة أشهر، في مشهد دراماتيكي قل أن يحدث في أية سوق مالية وبهذه الطريقة المفزعة، أول هذه الأسئلة هو: من كان يشتري في شركتي سابك والراجحي طيلة ثلاثة أشهر؟ ولماذا سمح لتلك المحافظ بتسييل أسهمها بتلك الطريقة؟ ومن كان يعرض تلك الكميات الضخمة للبيع؟ وهل يمكن تصديق أن مستثمرا أو مجموعة مستثمرين يديرون أموالا ضخمة في السوق ويفترض أنهم يملكون من التأهيل والخبرة ما يكفي يقدمون على مثل تلك الخطوة التي لا يقدم عليها سوى صغار المستثمرين ممن لا يملكون خبرة استثمارية؟ كم عدد الأسهم التي جمعتها تلك المحافظ طيلة تلك المدة ؟ وكم بقي منها الآن؟ وكيف كان سلوكها وقت الانهيار وقبله بقليل؟ هل صحيح أن بعض المحافظ الخليجية أسهمت في ذلك؟
النقطة التي ينبغي التركيز عليها عند الحديث عما حصل في السوق تتمثل في أن مستثمرا أو مجموعة مستثمرين يفترض أنهم يمتلكون من الخبرة والـتأهيل ما يكفي لإدارة محافظهم بطريقة مهنية سليمة وحسنة النية يصولون ويجولون في السوق بطريقة لا تخدم السوق ولا تحترم البلد وأهله، بحجة أن عملياتهم وتحركاتهم لا تتعارض مع أنظمة السوق ولوائحه، في حين كان يفترض بهم أن يعلموا أن الأموال التي يحركونها قد تضر باقتصاد دولة والمناخ الاستثماري فيها وبمواطنيها وهم بالملايين! وكان يفترض بمن يستثمر في شركات مثل "سابك" و"الراجحي" ألا يتعامل مع السوق وكأنه لقمة سائغة يستطيع أن يلتهمها متى ما أراد حتى لو كان باستطاعته ذلك.
أولئك سيخرجون بأموالهم إلى أسواق أخرى وسيتركون سوقنا تعاني المرض والوهن سنوات طويلة دون أن يلحقهم عقاب أو تطولهم خسارة، في حين أن اقتصادنا وأموال مستثمرينا أصيبت في مقتل لن تتعافى منه بسهولة وسيكون ثمن العلاج باهظا، دفعه صغار المستثمرين في الحال وسيدفعه اقتصاد البلد خلال السنوات المقبلة.
من يتحجج بضعف الاقتصاد الأمريكي وما حصل في البورصات العالمية يجانب الحقيقية، إذ لا رابط بين سوقنا والاقتصاد الأمريكي ولم يسبق أن تأثرت سوقنا بأحداث خارج حدودها بردات فعل تفوق بمراحل الأسواق التي حدثت فيها تلك الأحداث، هي حجة فقط لجني الأرباح والخروج من السوق أو التجميع بأسعار متدنية، ومن فعل ذلك سيكرر هذا المشهد مرات أخرى في المستقبل.
العتب الذي أسوقه للإخوة في هيئة السوق المالية ينحصر في بطئهم لمواكبة أحداث السوق بسن التشريعات اللازمة للمحافظة على سلامتها وسد الفجوات التي يستغلها بعض المضاربين، ومنها ما سبق وطالبت منذ مدة طويلة ببناء مؤشر جديد للأسعار يستبعد أسهم الحكومة وكبار المستثمرين وهو إجراء سيسهم في تعطيل الأدوات التي يستخدمها أولئك المضاربون لكنها تأخرت فيه، وهو ما جعلهم يستغلون أسهم شركتي سابك والراجحي لخدمة مصالحهم هذه المرة كذلك.
آمل أن تنتهي أزمات سوقنا المالية بسرعة وأن تكون سوقا ناضجة تحظى بثقة المستثمرين كافة لا أن تكون سوقا طاردة للرساميل أو محرقة لها.