عذرا يا غزة
هل استطعت يوماً أن تنام وبيتك بلا ماء أو كهرباء؟ هل لك قريب في مستشفى قطعت عنه الكهرباء وحياته قائمة على الأجهزة الطبية الموصولة به؟ هل خرجت من بيتك يوماً لتشتري بعض الأغراض وفوجئت بأن مدينتك بأكملها تغرق في ظلام دامس؟ هل لديك أطفالُ في هذه الأيام الباردة يبحثون عن دفء ولا يجدونه؟ وكيف يمكن أن توفر الطعام والدواء لهم وكل ما حولهم مغلق، بل إن كل ما هو موجود في طريقه إلى التلف، هل اضطررت للخروج يوما لإنجاز عمل طارئ ووجدت أنك لا تستطيع الذهاب لإنجاز هذا العمل المهم لعدم توافر الوقود ليس في سيارتك بل وفي كامل مدينتك.
هذا هو حال إخواننا في غزة اليوم .. حصار من كل مكان، من القريب والبعيد، من العدو والشقيق، لا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا طعام ولا وقود، ليس هذا فقط، بل وقصف بالنيران فوق رؤوسهم حصد أكثر من 40 شهيداً في أيام، ومئات الجرحى معظمهم من الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء فلسطين العزيزة وجيل غزة الصامدة.
كيف يهنأ لنا بال وهذا حال إخواننا، كيف يطيب لنا طعام وهم جوعى؟ كيف يغمض لنا جفن وهم يصطلون بنار العدو من جهة وببرد الشتاء من جهة أخرى؟ كيف نستمتع بمشاهدة الأفلام والمباريات الرياضية ولا نتألم لمشاهدة مليون ونصف مليون من إخواننا محاصرين، اجتمع العالم كله ضدهم وحوصروا من كل مكان، مرضاهم يتساقطون، موتى بالعشرات في كل يوم لانقطاع الكهرباء عن المستشفيات، وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية حالة الطوارئ، فهناك ألفا حالة في مستشفيات غزة ممن يعانون أمراض الكبد والكلى والسرطان وهم معرضون للموت إن لم يصلهم الدواء.
صمت غريب يسود العالم، أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين الأمم المتحدة؟ أين الساعون نحو السلام؟ أين المتباكون على قضايا الإرهاب والعاملون على نشر الحرية والعدل والأمان؟ حتى الشجب والاستنكار والتنديد لم يعد يسمع!، يهتز العالم لموت الحيوانات ولا يتحرك أحد لحصار شعب بأكمله، تعقد مؤتمرات القمة من أجل موت أفراد، لكنها لا تعقد لاغتيال شعوب، أين العقيدة الإسلامية؟ أين القومية العربية؟ أين الأنظمة التي تدافع ليل نهار عن مبادئها وعن أهدافها؟ لماذا الجميع صامت؟
إنها نتيجة طبيعية للضعف والخنوع الذي نعيشه، ونتيجة طبيعية لاستسلامنا وقبولنا بالهوان، ونتيجة طبيعية لمواصلة سيرنا في طريق الوهم الذي يدعى السلام، ونتيجة طبيعية لخلافاتنا الداخلية التي ساعد في تأجيجها العدو، وأتحنا له الفرصة ليستغلها ويجمع العالم حوله ضدنا.
فمعذرة يا غزة على هذا الخذلان ومعذرة على هذا التجاهل، فليس لنا من الأمر شيء، فنحن ضعاف ونحن من أسهم في أن يصبح هذا حالكم ونحن من جعلنا عدوكم يقول (ليس لدى الفلسطينيين وقود ولكن يمكنهم المشي على أقدامهم).
إن ظلام غزة وحصارها يضيء النور لنا لنتعلم دروساً في الصبر والعزة والثبات، ويضيء النور لنا لننفض الغبار عنا ونقدم شيئا لديننا وأوطاننا، إنه كما قال أحد الزملاء (ظلام يعكس الظلمة الحقيقية التي يعيشها العالم والإنسانية بأسرها، وإن توقف المولد الكهربائي الوحيد فيها هو دليل توقف قلوب الكثيرين عن إظهار أي نوع من الأحاسيس، وإن قبور الشهداء الذين يموتون كل يوم في المستشفيات جرّاء انقطاع الكهرباء سيبدد الظلام )، كلمات أرسلها هذا الزميل بجوّاله وجد أنها أقصى ما يستطيعه فلا يعجز الفرد منا أن يقوم بشيء تجاه هذا الشعب المناضل، ولا يعتقد بأنه فرد لا يستطيع أن يقدم شيئا، فأقل ما يجب أن نقوم به هو الدعاء لهم أن يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، وأقل ما نقدمه هو أن نستشعر ألمهم وأن نقف معهم ونعرض للعالم المعاناة التي يعيشونها، لعل العالم يستيقظ من سباته ويفعل شيئاً من أجلهم، فإن لم نتحرك نحن فمن سيتحرك؟