Author

التأمين على مخاطر التجارة الإلكترونية -(2)

|
تناولت في المقال السابق موضوع التأمين على مخاطر التجارة الإلكترونية، حيث بينت فيه بعض أنواع المخاطر التي يُمكن التأمين عليها، وتساءلت فيه عن مدى إمكانية قيام شركات التأمين العاملة في السعودية بالتأمين على التجارة الإلكترونية؛ خاصة بعد أن اتسع فيها نطاق التأمين في الآونة الأخيرة، وبعد انتهاج السعودية سياسة التحرر الاقتصادية والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وعطفاً على هذا المقال يُمكن القول في هذا الإطار إن شركات التأمين العاملة في السعودية، مثلها مثل أية شركات تأمين تعمل في أية دولة أخرى، تستطيع أن تؤمن على مخاطر التجارة الإلكترونية، ومن ثم تقدم حماية قانونية للمتعاملين في هذا النوع الجديد من التجارة الذي تمخض عنه القرن العشرين، وأضحى من أهم آليات التجارة الداخلية والدولية في القرن الحادي والعشرين الميلادي. ولكن هذه الشركات يجب أن تحدد بدقة نوع الأخطار التي يُمكن أن يتعرض لها المتعاملون في حقل التجارة الإلكترونية، وهي أخطار يُمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: أخطار تتعلق بالمكونات الإلكترونية وتشمل البيانات التي يتم تخزينها على ذاكرة جهاز الحاسوب، والتطبيقات التي تستخدم في تشغيل تلك البيانات، وقنوات الاتصال عبر الشبكة الدولية للاتصالات، وأجهزة الحاسوب، ونظم التشغيل؛ حيث تتعرض هذه الأصول لأخطار متعددة نذكر منها: عدم إمكانية الاتصال بالشبكة الدولية للتجارة الإلكترونية؛ إذ إن الحق في الاتصال بتلك الشبكة يُعد أحد الحقوق الأساسية للإنسان؛ بل إنه يُعد من الحريات العامة التي يصعب فرض قيود صارمة تحرم الإنسان منها، ما دام أن ممارسته لهذا الحق تندرج ضمن الضوابط الشرعية والقانونية، ولا تمثل إخلالاً بالنظام العام أو الآداب، ولا تتضمن اعتداء على الحقوق والحريات العامة للآخرين. كما تتعرض هذه المكونات الإلكترونية ً لخطر آخر يتمثل في حدوث عطل في آلية التكامل بين منظومة التجارة الإلكترونية؛ من حيث كامل الوظائف الأساسية أو وسائل الاتصال؛ Infringement of integrity؛ وكذلك خطر اقتحام برامج الحماية للمعلومات المخزنة على الجهاز، وما يترتب عليه من حرمان المشترك من سرية معلوماته وملفاته، ويرتبط بهذا الخطر خطر آخر هو عدم إمكانية التوصل إلى دليل واضح عن أسباب فشل برامج الحماية للمعلومات وصعوبة تتبع القائم بعملية القرصنة Restriction of evidence. أما النوع الثاني من الأخطار فيتعلق بالبضائع والخدمات التي يتم شراؤها من خلال الاتصال بشبكة الاتصالات الدولية عبر الإنترنت، أي أنها تتعلق بعملية النقل المادي للأصول المشتراة، ومنها أخطار النقل البحري والجوي والبري والتي يمكن أن تتعرض لها أية بضائع يتم نقلها بأي من هذه الوسائل الثلاث؛ والتي يقوم أطراف عقد البيع التجاري الداخلي والدولي (البائع والمشتري) عادة بإبرام عقود تأمين على البضائع ذاتها ضد التلف أو الفقد؛ كما يقوم المشتري بالتأمين عليها عند وصولها إلى مخازنه. ويتعلق النوع الثالث من مخاطر التجارة الإلكترونية التي يمكن التأمين عليها بالمسؤولية المدنية تجاه أطراف التعاقد وفقد الإيراد نتيجة لذلك، والتي تتمثل في أضرار مادية تلحق بالمشترك نتيجة انتهاك حق الحماية الفكرية الممنوح له عن براءات اختراع ونتائج الابتكارات الفنية الصناعية والتكنولوجية والتي يتم تحميلها على شبكة الاتصالات الدولية في صورة رسائل بين أطراف عقود التجارة الإلكترونية، وهو ما يحدث نتيجة التمكن من اختراق برامج الحماية والاطلاع على الملفات والحصول على المعلومات من قبل أشخاص متطفلين وقراصنة معلومات لا يحق لهم أصلاً الاطلاع عليها واستخدامها؛ بل إن هناك بعض المعلومات الشخصية عن المشترك يُمكن أن تتسرب عن طريق الشبكة الدولية للاتصالات مما يترتب عليه إصابته بأضرار مادية وأدبية. بل قد يصل الأمر إلى حد تعرض المشترك لحملات تشويه من خلال تلك الشبكة. هذا فضلاً عن إمكانية تعرضه لخسائر مادية نتيجة وقوعه ضحية لعمليات نصب وابتزاز متعددة من خلال الشبكة الدولية. ومن الجدير بالذكر هنا أن الأخطار التي ذكرناها تعد أخطاراً حقيقية لا وهمية؛ والدليل على ذلك أن هناك العديد من عقود التأمين تم إبرامها مع شركات تأمين دولية لتغطية الأخطار التي تتمثل في فقد الإيراد، حيث أبرمها بعض المتعاملين كتغطية إضافية لوثيقة الحريق، وكذلك التأمين على المسؤولية التي تنشأ على عاتق أحد أطراف عقد التجارة الإلكترونية قبل شخص ثالث؛ حيث يتم تغطيتها ضمن وثيقة المسؤوليات، وأيضاً الخسائر المادية التي تلحق بالآلات والمعدات الإلكترونية يتم تأمينها ضمن وثيقة المعدات الإلكترونية؛ والتأمين على البضائع المنقولة يتم تأمينها عن طريق وثائق تأمين النقل طبقاً لشروط التغطية. وبناء على ما سبق، ونظراً لطبيعة الأخطار التي تتعرض لها التجارة الدولية الإلكترونية وحداثتها، ونظراً لجسامة الخسائر التي يُمكن أن يتعرض لها المتعاملون فيها، أرى ضرورة تشجيع إقامة شركات إعادة التأمين، أو على الأقل تسهيل التعاون المباشر بين شركات التأمين والشركات الكبرى المتخصصة في إعادة التأمين؛ حتى يمكن إصدار وثائق تأمين تغطي مخاطر التجارة الإلكترونية، حيث تستطيع شركات التأمين أن تتقاسم مع شركات إعادة التأمين المحلية والدولية الخطر؛ لما يتوافر لهذه الأخيرة من إمكانية الاكتتاب في الأخطار الكبيرة التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة وعددا كبيرا من المشتركين، يمكنها من تحمل النتائج المترتبة على تحقق الخطر. ومن ثم تتولى شركات التأمين الوطنية أو فروع شركات التأمين المباشر العاملة في السعودية إجراء الدراسات العملية اللازمة للتعرف على مدى المخاطر الجديدة التي تظهر على مستوى العالم وتقييم جوانبها المختلفة بالاستعانة بخبراء؛ من أجل الوصول إلى الشروط والأسعار المناسبة لتأمين تلك الأخطار، وبما يكفل تحقيق قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها، وتحقيق حماية قانونية للمستهلك في التجارة الإلكترونية، وهذا ما نتناوله في مقال لاحق ـ إن شاء الله ـ.
إنشرها