مبروك نجاح موسم الحج
الحمد لله الذي جعل البيت العتيق مثابة للناس وأمنا، وجعل كلمة التوحيد لعباده حرزا وحصنا، وجعل الحج تلبية بالتوحيد وذكرا، وجعل ثواب الحج المبرور المغفرة والجنة دوما. الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الذي تمم لعباده حج بيته بيسر وأمان. ونسأل المولى عز وجل أن ييسر للحجاج عودتهم لأوطانهم غانمين سالمين.
حينما يستحضر المرء حقيقة أن الحج – من بين أركان الإسلام ومبانيه - هو عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام، وأن كمال الدين كان فيه حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (اليوم أكملت لكم دينكم ..) الآية، يدرك كيف أنه يختم الأركان ليجمعها، وكل خاتم جامع. وحين يستحضر المرء أيضا قوله صلى الله عليه وسلم "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا".. أقول حينما يستحضر المرء كل ذلك، يستطيع أن يتصور عظم الأجر لجميع من يقوم مخلصا وصادقا بخدمة الحجاج وتيسير أدائهم لهذا النسك العظيم، منذ وصولهم إلى ديارنا حتى مغادرتهم لها، تمكينا لهم من أداء عبادة فيها تمام الدين، وأعظم بها من عبادة يفقد الدين بفقدها الكمال، ويساوي تاركها المشركين في الضلال.
يسّر المولى عز وجل لي أداء فريضة الحج هذا العام، بعد غيبة عن أداء هذه الفريضة لبضع سنين، وعندما يجدد المرء هذه التجربة الروحانية العظيمة ويرى بنفسه التطور الكبير في المشاريع التي تمت في المشاعر المقدسة، ويلمس أثرها على تيسير أداء الفريضة، لا يملك إلا أن يتوجه للمولى عز وجل بالحمد الجزيل والثناء الجميل بما هو أهل له سبحانه وتعالى، للتوفيق الكبير الذي قيضه تعالى لجميع العاملين على خدمة ضيوفه. وحقيق علينا أن نجزي التهنئة الصادقة لولاة أمرنا ومساعديهم على هذا الإنجاز الكبير والنجاح العظيم، فاللهم لك الحمد.
ولقد كان من أكثر الترتيبات نجاحا في موسم هذا العام، تفويج الحجيج لرمي الجمرات. وكان للجسر العملاق متعدد الطوابق الذي أمر خادم الحرمين الشريفين بتطويره، جزاه الله خيرا، دور كبير في تسهيل الرمي وحماية الحجاج من التدافع والازدحام. لكن هناك ملاحظة ترد عليه، نرجو أن يتم تداركها قبل اكتمال العمل فيه. فالجسر طويل والصعود إلى طوابقه المتعددة مرهق جدا خاصة لكبار السن والعجزة والمرضى، ومعلوم أن نسبة كبار السن من الحجاج غير قليلة، ولذلك يحتاج الأمر إلى وسيلة كهربائية ذاتية الدفع تسهل عليهم صعوده واجتيازه، كما هو حاصل لمن يرغب بلوغ أسطح الحرمين الشريفين. ويحتاج الجسر كذلك لتوفير خدمات منظمة ومنضبطة لنقل المحتاج بالعربات عند مدخله من ناحية منى ومدخله من ناحية مكة. أما جهود رجال الأمن عند الجسر وفوقه وحوله فقد كانت عظيمة، نسأل الله جلت قدره أن يثيبهم عليها. كما لاحظت تطورا نوعيا في جهود شبابنا من الكشافة في مساعدة الحجاج والتائهين، ولهم في ذلك قصص نجاح مشرفة مع أطفال تاهوا عن آبائهم، وعجزة ضلوا طرقهم.
إن تقديم مختلف الخدمات لهذه الجموع الحاشدة يحتاج إلى جهود مضنية، فإلى جانب جهود رجال الأمن المخلصة، كانت هناك جهود كبيرة في الخدمات الصحية والوقائية. فالسلامة البيئية والوقائية والعلاجية والأمنية من بعض الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، إضافة إلى الخدمات الإسعافية والخطط التشغيلية هي جزء لا يجزأ من الخدمات المهمة لسلامة الحجاج. وستظل هناك حاجة مستمرة إلى الاستفادة من نتائج البحوث التي قدمت في مؤتمر صحة وسلامة الحجاج الذي عقد العام الماضي برعاية كريمة من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا. فقد غطت تلك البحوث قضايا تفصيلية متعددة كمتطلبات الحجاج كبار السن، وكيفية التخلص الآمن من النفايات الطبية وغير الطبية خلال موسم الحج، وخدمات نقل الدم خلال موسم الحج، ودراسات عن أهم الأمراض المعدية في موسم الحج، وأخرى عن مدى انتشار مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية في مستشفيات مكة المكرمة. إضافة إلى بحوث عن جودة المياه والسقيا والرفادة وسبل تنظيم الإطعام الخيري وإسكان الحجاج، ودراسة عن إجراءات الدفاع المدني لمواجهة الحوادث المختلفة كحوادث المواد الكيماوية في موسم الحج.
المشكلة الوحيدة التي تتجدد في كل عام هي مشكلة الازدحام المروري، وفي تصوري أن قد آن الأوان لوضع فكرة النقل بين المشاعر بالسكك الحديدية، سواء منها الأرضية أو المعلقة، موضع التنفيذ. كذلك فإن تردي الخدمة في مطار الملك عبد العزيز في جدة يحتاج إلى عناية عاجلة.
هنيئا لولاة أمرنا ولوزير الداخلية ورئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبد العزيز وأمير الحج أميرنا خالد الفيصل ولجميع المخلصين من جميع القطاعات هذا النجاح الكبير، وكل عام والجميع بخير.