البترو دولارز: بين سباق التسلح ودور مقرض الملاذ الأخير

[email protected]

خلال طفرة النفط الأولى في السبعينيات الميلادية تحسن دخل دول الخليج بشكل ملحوظ وتراكمت الفوائض المالية والتي في ما بعد أصبحت هدفا أطلق عليه اسم البترو دولارز، حيث تسابقت للحصول عليه مجموعات صناعة الأسلحة التي تحظى بنفوذ قوي في دهاليز السياسة الدولية.
وبالفعل شهدت منطقة الشرق الأوسط بل وعدة مناطق أخرى حول العالم زيادة في وتيرة النزاعات السياسية والعسكرية لتجد دول الخليج نفسها مجبرة على صرف جزء كبير من فوائضها المالية بشكل أو آخر في هذا الشأن. مما ساعد شركات صناعة الأسلحة على تحقيق مرادها وكسبت مرابح ضخمة استخدمت لاحقا لتطوير وتحديث صناعات وابتكارات أذهلتنا خلال حرب تحرير الكويت ومؤخرا حين سقطت بغداد. وبما أن التاريخ يعيد نفسه نجد اليوم أن التكاليف المالية التي تتكبدها منطقة الخليج تتراكم بشكل سريع بسبب الحفاظ على ربط سعر صرف عملاتها بالدولار وما يترتب عليه من سياسة استثمارية تحتم علينا شراء أصول دولارية ( سندات وغيرها) تتقلص قيمتها بسرعة هبوط سعر صرف الدولار، علما أن سياسة الدولار الضعيف قد تستمر لفترة زمنية أطول من المتوقع لأنها تخدم الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة لمواجهة الضغوط الاقتصادية. أضف إلى ذلك ما تم الكشف عنه مؤخرا من صفقات استثمارية ضخمة لجهات خليجية كالصناديق السيادية ومستثمرين كبار بالتحديد في القطاع المصرفي العالمي الذي يعاني تداعيات أزمة الرهن العقاري الأمريكي والتي لم نر الأسوأ منها بعد، فهل نستطيع طرح السؤال التالي:
هل هناك طرف ما يريد أن تقوم الصناديق السيادية في منطقة الخليج بلعب دور منقذ الملاذ الأخير أي Lender of last resort ؟ وهو الدور الرئيسي لأي بنك مركزي في أي بلد حين يقوم بإنقاذ المؤسسات المالية عن طريق توفير السيولة اللازمة أثناء الأزمات المالية والشح المفاجئ للسيولة.
لهذا أستطيع القول بأنني قلق حيث قد تصبح رحلة بترو دولارز اليوم مشابهة إلى حد ما للرحلة التي أقلع فيها بترو دولار بالأمس، لكنني اعتقد بأن الناقل أو "الشافط" هذه المرة سوف يكون قطاع المال والاستثمار. ولكيلا أطيل الشرح سوف أذكر بعض النقاط التي قد توضح مصادر القلق بخصوص فرص استثمار فوائضنا المالية بالشكل الأمثل وتكوين محفظة أصول متنوعة تساعد في التقليص من اعتمادنا على مداخيل النفط أو ما يطلقون عليه البترو دولارز:
- جلسة للبرلمان الأوروبي بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي خصصت لبحث مخاطر قيام الصناديق السيادية التابعة لدول النفط بشراء أصول استراتيجية في أوروبا وأمريكا !!
- وقبل ذلك بوقت قليل محفظة استثمار خليجية خاصة تضخ عدة مليارات من الدولارات لشراء نسبة من مجموعة مصرفية أوروبية أكتشف لاحقا أنها تكبدت خسائر ضخمة نتيجة لمشكلات الرهن العقاري في السوق الأمريكية، لكن هذا لا يقلق البرلمان الأوروبي.
- موانئ دبي تستثمر مبالغ ضخمة لشراء شركة إدارة موانئ بريطانية ورغم أن الشركة البريطانية قد تكون قامت باحتساب تعاقداتها مع جهات في الولايات المتحدة لإدارة عدة موانئ هناك ضمن صفقة البيع بينها وبين موانئ دبي، إلا أنهم أي الأمريكان أقاموا الدنيا وأقعدوها حين دخلت موانئ دبي في هذه الشراكة واستمروا بالضغط حتى تخلت موانئ دبي عن عقد الإدارة وتقديم خدمات المناولة على السواحل الأمريكية.
- وها نحن اليوم نرى أن مجموعة سيتي بنك الأمريكية والله وحده يعلم كم هي خسائرها غير المعلنة أو التي لم يكشف عنها بعد والمتعلقة بمشكلات الرهن العقاري تتجه للخليج للحصول على سيولة مالية عن طريق أحد الصناديق السيادية الخليجية. فقد قام هذا الصندوق السيادي الخليجي بضخ أكثر من سبعة مليارات دولار لشراء حقوق بمجموعة ستي بنك لا تعطيه الحق في التصويت في مجلس الإدارة أو التدخل في سير أعمال هذه السفينة التي لا تزال تبحر في بحر هائج بسبب شح السيولة الناتج عن تداعيات وخسائر أزمة الرهن العقاري. والسؤال المهم لماذا لم يقم "المركزي الأمريكي" بإعطاء هذه المجموعة المهمة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي السيولة المطلوبة، والأهم من ذلك هل يستطيع الصندوق السيادي الخليجي من عدم ضخ المزيد من الأموال في حال تبين أن "سيتي بنك" يحتاج إلى مزيد من السيولة مستقبلا!
إذن هناك جهود تدور حولنا وتركز على الحد من نجاح صناديقنا السيادية وتعمل على الحد من قدرتنا في توجيه فوائضنا المالية نحو الصناعات المستقبلية أو المشاركة بما يدور من بحث وتطوير لقطاعات حيوية تتعلق بصحة المجتمعات واحتياجات العالم من الغذاء وأيضا بدائل الطاقة، بالطبع هنا لا ألوم الغير على تقصير أجهزتنا المختصة وضعف قدراتنا الذاتية. ويقول لي صديق أمريكي إن شركة جنرال إليكتريك استثمرت جزءا من ثمن بيع وحدة البلاستيك لبناء مختبر متخصص في استصناع البكتيريا التي تستخدم في تقنيات توليد الطاقة البديلة !!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي