القطيف في أنابوليس

[email protected]

لم أستغرب كثيراً السؤال الذي طرحه أحد الصحافيين على سمو وزير الخارجية بخصوص فتاة القطيف والحكم الذي صدر بحقها ولا أود التطرق إلى تفاصيل القضية لأنها شائكة وأبعادها غير واضحة المعالم، خصوصاً في ظل تضارب البيانات الصادرة من كل طرف فيها، ولكن في تقديري ستبقى مثل هذه القضايا مادة إعلامية دسمة يمكن أن تستغل بشكل أكبر بكثير من حدود الصحافة والإعلام فقد تثار كمادة لحقوق الإنسان أو التميز العنصري أو المذهبي أو غيرها من الجوانب التي تعمد الإعلاميون طرحها في مؤتمر دولي مثل هذا يتابعه الناس كافة من كل أنحاء العالم.
والأمر الذي أود الإشارة إليه من خلال هذا المقال هو أننا لم نعد نعيش في منطقة معزولة، بل أصبح الخبر ينتقل اليوم من طرف الكرة الأرضية إلى الطرف الآخر في ثوان، وبطبيعة الحال فإن عملية الانتقال هذه تصاغ وتعدل وتحور بل حتى تذاع وفقاً لغايات وأهداف ورغبات المرسل والمستقبل على حد سواء، ولذلك فإن علينا أن نراعي أنه لم يعد هناك ما يمكن ستره أو حجبه، بل إن كلمة سري للغاية أصبحت تذاع في بعض النشرات الإخبارية من خلال بعض القنوات الفضائية فتجد المذيع يقول خلال الأخبار إن هناك تقريراً سرياً يتضمن كذا وكذا، وتجد آخر يقول إن هناك أنباء تسربت تتحدث عن كذا وكذا، بل إن بعض مواقع الإنترنت تتضمن ليس فقط تفاصيل الأحداث، بل حتى صور الوثائق التي تتضمنها.
وقضية فتاة القطيف التي طرحت في أنابوليس لا تختلف كثيراً عن العديد من القضايا التي انتشرت قبلها مثل قضية طلاق النسب التي تقدم للمجتمع كمادة مثيرة للخلاف لها من يؤيدها ولها من يعارضها وتبقى مدى شدة حساسية هذه المادة بالنسبة لبعض الثوابت الأساسية في المجتمع، مما يساعدها على أن تشيع وتنتشر ليس فقط على المستوى المحلي بل والمستوى الدولي كذلك.
غير أن وجودنا في مثل هذه البلاد العزيزة وعلى أرض هذا الوطن الغالي الذي يحوي بيت الله وقبلة المسلمين ومسجد رسوله الكريم نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم تفرض علينا أن نكون أشد حرصاً ودقةً فيما نقوم به من أعمال وما نصدره من قرارات وأحكام بل وما نصرح به من أقوال، فنحن بالنسبة للعالم الإسلامي بصفة خاصة قدوات بل نكاد نكون الوطن الوحيد في العالم الذي يطبق الشريعة الإسلامية في مختلف جوانب الحياة مما يحملنا مسؤولية أكبر بأن نعمل أولاً على أن نكون متميزيين في كل شيء بصفة عامة وفيما يخص ديننا بصفة خاصة.
إن هذا التميز لن يأتي من فراغ بل هو يحتاج إلى جهد كبير وعمل دؤوب فهو ليس تميزا يقوم على المظهر أو الشكل الخارجي بل تميز يركز بشكل مباشر على المضمون الذي سينعكس بعد ذلك على المظهر الخارجي، لا نحتاج لأحد من الخارج أن يقول لنا ما الصواب وما الخطأ فكل شيء لدينا واضح وبين، ولسنا مجتمعا مثاليا فالأخطاء تحدث لدينا كما تحدث في كل مكان في أنحاء العالم، ولكننا يجب أن نكون واقعيين وعمليين وأن يكون لدينا فقه حول واقعنا المعاصر فديننا يسع كل جوانب الحياة وديننا دين سماحة ورحمة وسلام.
أن نعتذر بعد الخطأ خير من أن نصر عليه وأن نقلل من أخطائنا خير من أن نواصل مسلسل الأخطاء وأن لا نخطئ هي مرحلة من الكمال يجب أن نسعى لها وأن تكون هدفنا، وهذا كله يحتاج منا إلى جهد كبير يبدأ من خلال مراجعة شاملة للعديد من الأنظمة والقوانين والتشريعات، بل حتى كفاءة المسؤولين عليها وقدراتهم ومؤهلاتهم.
في كل مرة من المرات تبرز حادثة تؤكد لنا أهمية أن نعيد النظر في كثير من الأمور وأن هناك مسلمات وبديهيات يجب أن نتحرك سريعاً لمعالجتها، وما أجمل أن يكون عملنا قائما على تحسين وتطوير الأسس والقواعد بدلاً من وضع المسكنات التي يخشى ألا تنفع في يوم من الأيام مستقبلاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي