لماذا يمنع موظفو القطاع العام من ممارسة العمل التجاري؟

[email protected]

في وقت يستطيع فيه موظفو القطاع الخاص ممارسة العمل التجاري والحصول على سجلات تجارية يمنع موظفو القطاع العام من هذا الحق الذي أعده حقا مشروعا لهم لا يتناقض مع التزامات الوظيفة التي يعملون فيها. والغريب أن المنع عندما نوقش في مجلس الشورى تم تأييده لأسباب لا أعرفها وإن كنت غير مقتنع بها مهما كانت.
معروف أن موظف القطاع العام يعمل نحو سبع ساعات في اليوم ولمدة خمسة أيام في الأسبوع, وهو يمتلك من الوقت خارج العمل ما يجعله يستطيع أن يمارس أعمالا أخرى سواء كانت تجارية أو وظيفية خلال الفترة المسائية, كما أنه يستطيع أن يوظف من السعوديين من يدير أعماله في الفترة الصباحية إذا لزم الأمر، ومعظم السعوديين من موظفي القطاع العام الذين يرغبون في مزاولة العمل التجاري لا يطمحون إلى البقاء في وظائفهم لكنهم في الغالب ينتظرون إتمام مدة التقاعد المبكر ليتفرغوا لأعمالهم ومصالحهم.
من ناحية قانونية لا أستطيع تفهم وقبول أن القانون يمتد إلى تقييد تصرفات الموظف خارج وقت العمل مثل أن يمنعه من تحسين دخله بممارسة عمل تجاري أو العمل في وظيفة أخرى، فالعقد شريعة المتعاقدين إذا استوفى أركانه كاملة وشروطه, أما إذا كان يتعدى التزامات الوظيفة نفسها إلى تقييد حرية الموظف خارج وقتها التي كفلتها الشريعة فهذا يحتاج إلى إعادة نظر.
أتفهم الأسباب التي جعلت المشرع يمنع مزاولة العمل التجاري لأن المنع شُرع في وقت كانت رواتب الوظيفة الحكومية كبيرة قياسا بوظائف القطاع الخاص وكافية لمواجهة التزاماته المعيشية، كما أنني أتفهم حرص المشرع على أن يتفرغ الموظف لأداء عمله على الوجه الأكمل وألا يكون هناك ما يشغله عن هذا الهدف, لكن ذلك لا يتحقق عن طريق منعه من حق كفلته الشريعة وإنما بتغليظ العقوبات على من يتهاون في أداء عمله الحكومي.
ومن جهة أخرى, كيف يسمح لموظف القطاع الخاص بممارسة العمل التجاري ولا يسمح لموظف القطاع العام بممارسة هذا الحق؟ لماذا لا يتساوون في الحقوق والواجبات الوظيفية إذا كانوا يتساوون في جميع الحقوق والواجبات الأخرى التعليمية والصحية والخدمية وغيرها ؟ ألم يفكر المشرع في أن المنع فيه نوع من السخرة وأن مثل هذا الشرط ينطبق عليه وصفا الغبن والإكراه؟
لندع مناقشة المنع من زاوية شرعية ونظامية ولننتقل إلى المنع نفسه, فهل هذا أسهم فعلا في عدم ممارسة الموظف الحكومي العمل التجاري ؟ وليسمح لي المشرع بالإجابة عن هذا السؤال المهم, وإجابتي تتلخص في أن المنع لم يسهم في المنع, وبهذا فإن هذا القرار لم يؤد غايته التي شرع من أجلها، فالجميع يعرف أن كثيرا من موظفي القطاع العام يمارسون العمل التجاري بأسماء أولادهم وزوجاتهم وإخوانهم, أي أنهم التفوا على القرار وأفرغوه من محتواه تماما.
من هنا فإني أناشد من يمتلك صلاحية إلغاء هذا القرار إلغاءه فورا للأسباب التي ذكرتها أعلاه ولأسباب أخرى استجدت مثل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة ولأسباب أهم منها أن من يمارس العمل التجاري وينجح فإنه يتقاعد مبكرا, وهذا يتيح فرصا وظيفية إضافية لراغبي العمل من حديثي التخرج.
ويسري على قرار منع موظفي الدولة من ممارسة العمل التجاري قرار منعهم من العمل في وظائف أخرى في الفترة المسائية, لأن هذا لا يساعدهم على الوفاء بالتزاماتهم المعيشية، ويتعارض مع المعمول به في كثير من دول العالم التي تسمح للفرد بالعمل في وظيفتين.
هناك كثير من الأنظمة التي تحتاج إلى مراجعة جدية كي تتكيف مع التطورات الحالية ومنها نظام الخدمة المدنية ونظام الشركات ونظام السجل التجاري. وما أطمح إليه أن يمارس الموظف الذي يعتقد في نفسه القدرة على النجاح العمل التجاري بشكل صريح ونظامي كي يساعد نفسه ومجتمعه لا أن يلتف على النظام بممارسة ذاك العمل عن طريق زوجته أو أقربائه كما هو حاصل اليوم, ويمكن ملاحظته بقراءة لوحات المحال التجارية التي تغلب عليها الأسماء النسائية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي