جولة ملك بعيون اقتصادية
لن يكون حديثي عن المكاسب السياسية الكبيرة لجولة الملك عبد الله الأوروبية الأخيرة على صعيد علاقات المملكة الخارجية وكسب مزيد من الحلفاء وتحقيق مزيد من التفهم لمواقفها وتوجهاتها نحو مختلف الملفات الدولية والإقليمية والمحلية فهذا شأن المختصين بالسياسة. ما يعنيني هنا كمهتم ومختص في شؤون الاقتصاد هو المكاسب التي حققتها هذه الجولة ونقاط الدعم التي أضافتها للاقتصاد السعودي. غني عن القول أن الاقتصاد يعد أحد أهم دعائم العلاقات بين البلدان فما تبعده المواقف السياسية تقربه المصالح الاقتصادية. ودولة لا تملك ثقلا اقتصاديا لا يمكن لكفتها أن ترجح في ميزان السياسة العالمية، وهذا هو تحديدا وضع المملكة والتي أضحت بفعل السياسات الاقتصادية الحكيمة التي اتبعتها رقما اقتصاديا صعبا لا يمكن لأحد تجاوزه.
لا يخفى على أي مراقب لجولة الملك عبد الله الأوروبية تغطية الأجندة الاقتصادية على غيرها من أجندة الزيارة وأهدافها، فقد كان ذلك جليا واضحا في حجم الوفد المرافق المعني بالشأن الاقتصادي. وهذا ليس بمستغرب فالملك عبد الله - يحفظه الله - أظهر اهتماما كبيرا بالشأن الاقتصادي وفى عهده حدثت تحولات هيكلية كبيرة عززت من أداء الاقتصاد السعودي حيث أجريت العديد من الإصلاحات الاقتصادية في اللوائح والأنظمة والسياسات التي تعنى ببيئة ومناخ الاستثمار، كما انتهجت المملكة نظاما اقتصاديا منفتحا نمت معه مختلف القطاعات الإنتاجية. كان محصلة ذلك انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية عام 2005م وتدفق الاستثمارات الأجنبية وقيام العديد من المشاريع الاقتصادية الضخمة والمدن الاقتصادية العملاقة.فالمملكة خطت خطوات واسعة في مضمار الإصلاح الاقتصادي وأصبحت تحتل موقعا متقدما على المستوى الاقتصاد العالمي. وكان لزاما أن يتم تسويق هذه الإنجازات (إن صح التعبير) لتحقيق مزيد من المكاسب لذا جاءت جولات الملك عبد الله ، والتي من بينها جولته الأوروبية هذه ،لتمثل اهتماما خاصا على مستوي القيادة لتقديم ملفها الاقتصادي المعزز بالإنجازات للشركاء في مختلف أنحاء العالم لتحقيق مزيد من التعاون والشراكة الاقتصادية مع دول واقتصادات من الحجم الكبير .
لاشك بأن جولة خادم الحرمين الشريفين الأوروبية والتي شملت أربع محطات مهمة هي: بريطانيا، إيطاليا، ألمانيا وأخيرا تركيا تأتي في سياق توجه المملكة لعقد شراكات اقتصادية فاعلة مع دول ذات وزن اقتصادي كبير. وإذا ما نظرنا إلى مجمل الصورة نجد أن المملكة تربطها أصلا علاقات تجارية واقتصادية مع هذه الدول والتي تمثل اقتصاداتها أرقاما صعبة في خريطة الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الألماني هو الثالث عالميا، والأول على المستوى الأوروبي، والسوق الألمانية كذلك تعد منفذا لدخول كثير من أسواق دول شرق أوروبا. وعلى صعيد الاستثمارات الخارجية تمتلك ألمانيا شبكة استثمارات ضخمة على مستوى العالم وتحتل المرتبة الرابعة عالميا في حجم الاستثمارات، أما إيطاليا فهي خامس أقوى اقتصاد في العالم ودولة صناعية كبرى. وتحتل بريطانيا كذلك مكانة اقتصادية متقدمة وتمثل مركزا ماليا عالميا ولها حجم استثمارات خارجية ضخم ويشهد اقتصادها معدلات نمو مضطردة.
هذه الميزات الإيجابية لاقتصادات بعض الدول الأوربية - إضافة لما تتمتع به من خبرات طويلة في عدد من المجالات الفنية والتدريبية والعلمية والاستشارية المرتبطة بقطاع الأعمال - يجعل من توجه إقامة شراكات اقتصادية معها أمرا منطقيا يحقق العديد من المكاسب للاقتصاد السعودي وقطاع الأعمال في المملكة ويجعل اقتصادنا يسجل العديد من نقاط القوة بارتباطه بعلاقات تعاون مع اقتصادات ضخمة ذات نفوذ وتأثير على منظومة الاقتصاد العالمي.
الأمر اللافت في جولة خادم الحرمين الشريفين الأوروبية هو الدور التكاملي الذي لعبه القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع نظيره القطاع العام والدعم الحكومي الواضح لجهود هذا القطاع وفسح المجال أمامه للعب أدوار متعاظمة فيما يتعلق بتعزيز أواصر العلاقات التجارية والاقتصادية مع البلدان التي شملتها الجولة. ولقد كان لتشريف المليك لقاءات رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم من هذه الدول أثر كبير من ناحية تقديم الدعم المعنوي لهذه اللقاءات وإظهار الاهتمام الذي توليه القيادة السعودية لقطاع الأعمال السعودي والثقة الكبيرة التي تضعها فيه من خلال توقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي وهو ما أسهم في نجاح هذه اللقاءات وإثمارها عن العديد من الشراكات والصفقات التجارية والاستثمارية.
إن المكاسب الاقتصادية من الزيارة أكثر من أن تحصى ثمارها على المديين القريب والبعيد غير أننا نؤكد، وبثقة، أن قطاع الأعمال السعودي سيكون أول المستفيدين من نتائجها. الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها مع بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وتركيا والتي تضمنت اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي والتفاهم حول انسياب السلع والمنتجات لهذه الأسواق وإزالة معوقات الاستثمار المشترك إضافة لاتفاقيات التدريب والتأهيل وغيرها من الاتفاقيات المتعلقة بعدد من المجالات الاستثمارية والتي تم توقيعها بين المملكة وهذه الدول ، كل ذلك من شأنه زيادة تدفق الاستثمارات من هذه البلدان نحو المملكة وفتح منافذ جديدة للسلع والمنتجات السعودية، وزيادة حجم التبادل التجاري، ونقل التقنيات والخبرات المتراكمة للاستفادة منها في تطوير قطاعات الأعمال في المملكة .
لقد تلمسنا خلال لقاءاتنا مع رجال الأعمال الأوربيين حرصهم الكبير على الاستثمار في المملكة ورغبتهم الأكيدة في إقامة مشاريع استثمارية مشتركة مع رجال الأعمال السعوديين ولاحظنا كذلك السمعة الطيبة التي يحظى بها الاقتصاد السعودي في الأوساط الاقتصادية والتجارية هناك.
إن زيارة الملك عبد الله هذه الدول الأوروبية فتحت المجال واسعا أمام قطاع الأعمال السعودي لبناء علاقات تعاون وثيقة مع فعاليات القطاع الخاص بهذه الدول وستسهم في المستقبل القريب في ظهور مزيد من الشركات والاستثمارات برأسمال مشترك لاقتناص الفرص الاستثمارية الواعدة في المملكة.
إننا كأجهزة مؤسسية لقطاع الأعمال السعودي نثمن ونقدر كثيرا الجهود الكبيرة التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين في سبيل تعزيز علاقات المملكة الاقتصادية مع مختلف الدول والأولوية التي يوليها حفظه الله لكل القضايا الاقتصادية التي تهم الوطن والمواطن وننظر إلى هذه الزيارة وغيرها على أنها دعم حقيقي تقدمه الدولة لرجال الأعمال السعوديين في القطاع الخاص.