انخفاض مستوى الوعي العام .. لماذا؟

[email protected]

مواطن يسير في الطريق ويرمي النفايات بشكل مقزز ومستفز لمستخدمي الطريق، وآخر ينعطف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون الاكتراث بالآخرين، وثالث يتقاعس عن العمل لأسباب واهية ومتعددة، ورابع يظن أن مهمته الرئيسية في عمله هي تعطيل خلق الله، وخامس يخرج لمراقبة الأسواق فيترك "الدرعا ترعى" ويذهب لإنجاز أعماله دون فهم لدوره وأهميته في حماية أرواح الآخرين، وسادس يشتري بضائع رخيصة ذات أضرار مكلفة دون أن يعي ذلك، وثامن يطلق لسيارته عنان الريح دون أن يحترم حتى إشارات المرور.

انخفاض في درجة الوعي هي العلة المشتركة لدى كل هؤلاء، وبظني أن درجة الوعي وإدراك الحياة ظاهرة عامة في مجتمعنا وفي كل المجالات (التربية، المرور، النظافة، الصحة، الإعاقة، البحوث والدراسات، العمل والإنتاجية، السلامة، البيئة، حقوق الإنسان.. إلخ )، لماذا؟ نعم لماذا رغم أننا شعب يدرس كما تدرس الشعوب الأخرى، ونتعرض للفضائيات كما تتعرض الشعوب الأخرى، ونسافر ونحتك بالشعوب المتقدمة التي تتميز بدرجات وعي عالية جدا.

أحد الأصدقاء يقول لي إنه خرج من محل الخضار فوجد سيارة خلفه وعندما رأى شابا مقبلا ظن أنه مالك هذه السيارة، فقال له هل هذه سيارتك؟ يقول وكانت المفاجأة حينما أجابني: "لا يا أخي أنا لسا واصل من أمريكا قبل أسبوعين!!" بمعنى أن الأخ يحترم النظام في أمريكا ومازال معتادا على ذلك لعدم مرور فترة طويلة تجعله يعود لطريقتنا المثلى.

مشكلة المرور مثلا هل هي مشكلة عدم فهم لأنظمة وقواعد ولوائح المرور أم أنها مشكلة أخلاقية، لماذا ينعطف البعض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؟ هل لأنهم لا يعلمون أن ذلك مخالف لأبسط قواعد المرور؟ أم لأنهم لا يحترمون أنفسهم ولا يحترمون الآخرين؟ والمثير للغرابة أن هذه الحركة المخالفة تراها ممن يقود أفخم وأغلى السيارات (الأغنياء) وممن يقود السيارات الكحيانة (متوسطي الدخل والفقراء) لا فرق، كلاهما يسلكان السلوك نفسه، والفرق أن الأول يسلك هذا السلوك الشائن مع نوع من الكبرياء فقط.

مزارع يستخدم مياها غير صالحة لسقي المزروعات ويضع أسمدة كيماوية بكميات غير مدروسة ليحصل على محاصيل وفيرة وبأوزان كبيرة يقوم بطرحها في السوق ويقبل عليها إخوانه من المواطنين، هذه المنتجات سبب رئيسي في انتشار العديد من الأمراض، من أجل دراهم معدودة يصيب الكثير بأخطر الأمراض ويكلف الدولة ملايين الريالات لمعالجتهم دون جدوى طبعا لأن أمراضها أمراض خبيثة يصعب علاجها، هل لا يعلم هذا المزارع خطورة أفعاله؟ أم يعلم أن تلك المواد ضارة ولكن لا يعلم أبعادها الكارثية على صحة الإنسان؟ أم أنه يعلم كل ذلك ويقدم مصلحته الخاصة على مصلحة المجتمع ويتعبد بعد ذلك في أحد المساجد سائلا المغفرة له وللمسلمين أجمعين الأحياء منهم والأموات!

مواطن متحمس يقول لي وجدت غسالا سعوديا في إحدى المغاسل وشجعته وقلت له "الشغل مو عيب"، فقلت له أي تشجيع ذلك أنت أحبطته بهذه الكلمات المؤذية، فقال لي كيف ذلك؟ فقلت له لماذا لم تقل له بارك الله فيك وإن شاء الله إني زبون عندك، بدل أن تقول له "الشغل مو عيب" وهو مصطلح يشير إلى أن مهنتك يعيبها المجتمع بطريقة غير مباشرة. أي جهل هذا، نريد أن نشجع فنهين!

أعتقد أن انخفاض الوعي العام في بلادنا يعود لعدة أسباب أهمها أننا شعب حديث عهد بحضارة، فجلنا أبناء قرى وبوادٍ منعزلة في الصحراء السعودية الشاسعة، وعندما أسس الكيان السعودي - المغفور له بإذن الله - الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، بدأت مسيرة التعليم التي لم تضع القيم والمفاهيم والتعامل في أعلى سلم أولوياتها والنتيجة هذه المخرجات التي لا تشعر بالآخر ولا تحترمه إن لم تكن تزدريه، حتى بات بعضنا يزدري بعضا بدل أن يعتز بعضنا ببعض ويحترم بعضنا ثقافة بعض، فلكل منا ثقافته النابعة من بيئته إن في بادية أو قرية أو من أبناء السواحل.

السبب الثاني - في اعتقادي - يعود لانعدام أو انخفاض ميزانيات التوعية للدرجة التي لا يمكن لأي جهة كانت أن تقوم بحملات توعية صحيحة تحقق أهدافها، فكل الحملات التوعوية قائمة على الاستجداء "الرعايات غير المبررة" لذا فهي حملات لا سند ماليا لها، وبالتالي لا تستطيع أن ترسخ رسائلها التوعوية في أذهان الشرائح المستهدفة، مما جعل الوعي منخفضا في المجالات كافة، بل أن الأمر أدهى من ذلك، إذ يعتقد الكثير من القائمين على الجهات المكلفة بتنفيذ حملات توعوية حيال قضاياها أن التوعية عملية فاشلة لا جدوى منها بتاتا.

ختاما، أرجو من كل مسؤول يجد أن من مهام إدارته رفع درجة الوعي في مجال العمل الرئيسي لإدارته أن يقوم بتلك المهمة على أكمل وج، باعتبارها مهمة جوهرية أساسية ومهمة كما هي الأعمال الرئيسية الأخرى تماما، فمثلا على إدارة المرور أن تقوم بحملات توعوية مستمرة للتوعية بأنظمة المرور كافة ومخاطر مخالفتها، كما تقوم بمهمتها الرئيسية الملموسة في تنظيم السير وضبط المخالفين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي