الخيانة الإلكترونية!
تزوج (حضرته) منذ سنتين بعد قصة حب هادئة، جمعت بينه وبين ابنة عمته المحافظة التي لم ترتبط طيلة فترة المراهقة بأي علاقة حب، أو تجارب فارغة! بينما لم تكن هي أول امرأة يعرفها ولا آخر امرأة سيعرفها بالتأكيد!
تزوجا، وكانت (حضرتها) متفرغة لأعمال المنـزل، وكان (سعادته) من النوع الذي يمل سريعاً فقد تنقل من وظيفة لأخرى حتى استقر أخيراً. كانت تصب اهتمامها على بعلها والبيت وعلى طفلهما الأول. اعتقدت أن ابنهما سيملأ حياة أبيه بهجة واستقراراً فيبدع في عمله ويحاول تحسين وضعه المالي. أشارت عليه أن يشتري جهاز حاسوب في المنزل ليكمل أعماله المتأخرة. وفعلاً اشترى الجهاز، وكان في المساء، يهرول سراعاً إلى الحاسوب ليمضي الوقت في البحث عن المعلومات في المواقع الإلكترونية عبر الإنترنت، واستكمال الأعمال المطلوبة منه. ومع مرور الوقت تدرب وأصبح يتصفح الإنترنت ويدخل غرف المحادثة و(الماسنجر). ولأنها لم تكن تعبأ سوى بابنها ومنزلها وأيضاً صديقاتها وكتالوجات الأزياء، لم تسأله ولم تضايقـه.
ذات مساء عاد إلى المنـزل، وأسرع إلى الكمبيوتر طالباً منها تجهيز وجبة العشاء، وعندما دخلت لمناداته لاحظت ارتباكه، فحاولت أن تسترق النظر إلى الشاشة، فلمحت أحد برامج الدردشة، لكنها لم تلتقط أي شيء آخر، وعندما سألته عن أسباب إنهاء المحادثة قال إنه أحد الأصدقاء وسيعود إليه لاحقاً.
ارتباك زوجها جعلها تلجأ إلى الدخول إلى بريده الإلكتروني لمعرفتها مسبقاً بكلمة السر، فوجدت رسائل من امرأة تكرر اسمها أكثر من مرة، ترسل إليه الموضوعات والقصائد الأدبية، وهو على ما يبدو، يبدي رأيه فيها. لم تجد أي كلمة في الرسائل خارجة عن حدود الأدب، لكن الموقف نفسه أزعجها جداً، وجعلها تعاتب زوجها وتلومه. وهو كان (رجلاً جنتلمان) فاعتذر وشرح موقفه بأنه غلطة وأن معرفته بهذه المرأة سطحية ومن باب الصداقة البريئة. ويا كثرة من يُطَلقُ عليهم أصدقاء وقت البراءة في هذا الزمن الأعوج! يا تُرى هل يوجد حقاً ما يسمى بصداقة بين الرجل وامرأة أخرى؟ حتماً تشعر الزوجة بالخديعة لأن الزوج يخونها ولكن إلكترونياً كلما فتح الكمبيوتر، والعكس صحيح بالنسبة للمرأة! فهو يميل بفكره وهواه نحو أسماء مستعارة وقد يواعد سراً في الخفاء وفي (غُرف الشات) Chat Rooms ولن يعلم النجوى إلا المطّلع على السرائر والضمائر. والذي يحصل يا سادة يا كرام أن العلاقات الزوجية والأسرية يصيبها شرخ، واللامبالاة تحوله إلى تصدع فزلزال فدمار والسبب هو التهاون منذ البداية، فمعظم النار من مستصغر الشرر. ويا كثرة الساخطين والمجروحين إلكترونياً وفي نفس الوقت المستعبَدين من هذا الجهاز الذي أصبح ضرورة في عصرنا الرقمي المعرفي.
موضوع الخيانة الإلكترونية عبر (غرف الشات) من الموضوعات المهمة لأنها تمارس من الفئتين (النساء والرجال) للأسف دون وجود رقيب أو حسيب بدعوى الحرية الشخصية وبدعوى أن القصد شريف بينما منظومة متكاملة من القيم والمبادئ والأخلاق تتهاوى رويداً رويداً أمام أعيننا وبصمت. ولا شك أن هناك طرقاً للخيانة يستحيل كشفها لأن الله يسترها على من فعل، لكن الرضا والموافقة على ذلك إلكترونياً هي بداية السقوط في الهاوية ولو كان بغير قصد، فالتهاون بالتأكيد يقود إلى ما كان أعظم. ومن المؤلم أن الخيانة التي تنجح لا يجرؤ أحد على تسميتها خيانـة! فالحل هو المزيد من الرقابة الوالدية والعطاء العاطفي لأولادنا . الحل أيضاً في التواصل والتعبير عن المشاعر الرقيقة بين الأزواج حتى لا يخرج كل طرف ليفتش عنها على لوحات المفاتيـح والشاشات المسطحة وعبر دردشات مع (الدلوعة والولهانة والمفتون وملاك الليل )!
نؤمن أنه يستحيل في عصر التكنولوجيا خلو أي بيت من جهاز حاسوب يستعمله أغلب أفراد الأسرة،عليه فإني أقترح أن يأخذ رب الأسرة عهداً على نفسه أمام زوجته بالحفاظ على الثقة وعدم خذلانها إلكترونياً وأن يٌطلِـع زوجته الموقرة على الرمز السري لبريده الإلكتروني وجميع (الباسوووردز) في المنتديات المخفية والظاهرة التي اشترك بها (من باب الاحتياط)، وذلك اتباعاً لطريقة (ابدأ بنفسك) في الإصلاح حتى لا يكون رب البيت بالكيبورد ضارباً...وشيمة أهل بيته النِــتُ (من كلمة) Net! على أن تتعهد نساء الأسرة من زوجة وبنات بالمثل موقعين على وثيقة مكتوبة يصادق عليها رب الأسرة وتُعلق بجوار شاشات الكمبيوتر للتذكير الدائم. ولا مانع من اشتراط تسلمها من العريس مع عقد الـزواج! ختاماً يقول الرازي: "من خان الله في السر هتكَ الله سرهُ في العلانية".
دمتم بلا خيانة.