جامعة الملك عبد الله .. مشروع علم وهوية

[email protected]

كنت ضمن من تكرمت شركة أرامكو السعودية بدعوته لحضور حفل وضع حجر الأساس لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بتشريف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز صاحب الفكرة والداعم لها ومحقق حلم راوده منذ 25 سنة، كما صرح بذلك لوكالة الأنباء السعودية، وأود بداية أن أشيد حقيقة بحسن تنظيم الحفل وكرم ضيافة شركة أرامكو وهو ما ليس غريبا عليها كونها نموذجا للإدارة الجدية والعملية، وهذا ما جعل صاحب الفكرة وراعيها الملك عبد الله يكلف "أرامكو" بإنشاء هذه الجامعة لضمان الجودة والاستفادة من خبرتها العلمية والعملية الواسعة، وحينما استمعت واطلعت على الهدف والغاية من إنشاء هذه الجامعة لتكون منارة للعلم والبحث العلمي في شتى فروع العلوم والتقنية والاستعانة بمختلف العقول من مختلف دول العالم والتواصل مع جامعات ومراكز البحث العلمي العديدة وتشكيل فريق عمل متخصص ومتنوع المشارب لوضع منهج هذه الجامعة، أدركت وغيري أننا إزاء إنشاء جامعة مختلفة عما سواها من ناحية النوع والكيف، بمعنى أنها جامعة متميزة بمحتواها ومضمونها مما سيجعلها في مصاف وعلى درجة الجامعات العالمية الشهيرة نفسها بإنتاجها العلمي وإسهاماتها في إثراء التطور من خلال البحوث التي قادت إلى ابتكار الحلول العلمية والإبداعية والابتكارات والاكتشافات التقنية العديدة، فجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ليست مجرد جامعة عادية بل مركز بحث علمي سيستقطب كل العقول الموهوبة والمبدعة ذا صبغة عالمية ليس فيه تفرقة أو تمييز كما قال الملك عبد الله في كلمته، ولهذا فإن هذه الجامعة ستكون بصمة لهذا الملك الجليل تؤسس لعودة هذه الأمة إلى سابق عهدها حينما كانت صانعة للحضارة ومساهمة فاعلة في التطور العلمي والاكتشافات الرائدة مما استنارت به حضارة اليوم واستفادت فيه من بواكير علومها حتى يومنا هذا.
وأهمية هذه الجامعة، التي حظي حفل وضع حجر أساسها بكل هذا الزخم والاهتمام، هو في أنها تؤسس لعمل حقيقي لردم هوة التخلف عن ركب التطور العلمي الذي نعانيه كأمة عربية وإسلامية، وردم هذه الفجوة التي جعلتنا جزءا أصيلا من العالم المختلف غير ممكن من خلال الاعتناء بالعلم وتبني المواهب واستقطاب العقول وتوفير الإمكانات والأدوات اللازمة لذلك، وهذا ما ستقوم به هذه الجامعة بالتأكيد، ومن ذلك يبرز ويتضح فكر الملك عبد الله بن عبد العزيز وفقه الله، بما يؤكد أنه قائد يمارس مهامه ومسؤوليته ببعد نظر ورؤية ثاقبة للمستقبل وفهم لواقع الحال بما ينبئ بأنه يؤسس لنهضة علمية منتجة لا مستهلكة فقط، فالحضارة الحقيقية هي حضارة الإنتاج العلمي والمشاركة الفاعلة بالجهد الإنساني في الابتكارات والاكتشافات العلمية.
ومن ذلك كله ندرك ولا شك أننا إزاء مشروع علمي يستنهض همتنا الحضارية بعد قرون من السبات والانزواء والتخلف عن ركب حضارة كانت لنا فيها وما زالت إسهامات بارزة، وإذا كان لهذا المشروع العلمي صبغة عالمية، كون العلم هويته عالمية، فلا بد أن تكون له سمات سعودية عربية إسلامية حتى يأخذ بعده الحضاري من منطلق مكون ثقافي محدد، بمعنى أن يتصف بهويتنا السعودية ضمن قيمنا الأصيلة والأساسية بحيث لا تكون عالميته مدخلا لاستيراد قيم دخيلة لا حاجة لنا بها باسم العلم بما لا يخل بالأهداف العلمية، وعربية من خلال وجود لغتنا العربية التي يحاربها البعض بحجة أنها ليست لغة علم، وهو ما ليس صحيحا، فهذه اللغة إضافة إلى أنها لغة القرآن الكريم فهي لغة علم قامت عليها حضارة زاهرة استمدت منها حضارة اليوم علومها وقامت على ابتكارات واكتشافات علمائها في الطب والفلك والرياضيات وغيرها من شتى مناحي العلم، ولغة كاللغة الغربية استطاعت أن تكون لغة حضارة متكاملة هي لغة ثرية وقوية بمفرداتها وقدراتها التي ليس لها حدود، ويكفي للاستدلال على ذلك أن معظم المسميات والمفردات العلمية المتداولة في وقتنا الحاضر هي ذات أصول لغوية عربية، ولن نكون في ذلك بدعة فاليابان وفرنسا وألمانيا وحتى كوريا على سبيل المثال دول فاعلة ومشاركة في حضارة العصر ولكن بلغاتها الوطنية، وهي لغات أقل من قدرات وثراء وتاريخ لغتنا العربية، فلم تهون منها أو تتخلى عنها مستخدمة لغة أخرى.
وإذا كنا نستبشر بأننا سنستعيد بإنشاء هذه الجامعة العلمية والتقنية دورنا الحضاري والعلمي، فأتصور أن من أبرزه وأهمه هو أن تستعيد لغتنا العربية مكانتها كإحدى لغات العلم كما كانت في السابق، وهذا يتطلب أن تعتمد كلغة أساسية بأن تعرب بعض مناهجها على الأقل. وإسلاميا بأن تعنى بحوثها ودراساتها بما أشار إليه القرآن الكريم وهو كلام الله المنزل في كثير من آياته للعديد من الأمور كذكر بعض الأطعمة كالتين والزيتون والزنجبيل والتي لم يأت ذكرها عبثا، أو ما فيه من إعجاز علمي في الفلك والفضاء وغيرهما مما توافق مع الحقائق العلمية الحديثة ونستخلص منها اكتشافات جديدة، وهناك عشرات العلماء العرب والمسلمين الذين يمكن الاستفادة منهم وفتح آفاق البحث العلمي أمامهم ليستنبطوا من علوم القرآن نظريات جديدة ستسهم في إثراء العلم.
هل أحلم؟ ربما، ولكنه حلم مشروع وأنا أرتكز على معطيات واقعية فيما يخص اللغة العربية أو علوم القرآن الكريم، وكون هذه الجامعة تنشأ في بلاد القرآن ومهبط الوحي بجهدنا وأموالنا وفي حضن لغة حية لها تاريخ ولكن جار أهلها والزمن عليها، فلا بد أن تعكس مكوننا الثقافي والحضاري بقيمه الأخلاقية وتلبسه هويتنا العربية الإسلامية في الشكل والمضمون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي