"فَتـْش البراقــع"

[email protected]

كتبت مقالاً سابقاً عن ثقافة مسك الأيادي في مجتمعنا كونها من التقاليد الموروثة التي يتحرج الرجل منها وتخجل الزوجة (أم العيال) من اقترافها أمام أعين الناس لأنها وفق العُرف عيب مُشين. واليوم أكتب عن عجبٍ عُجاب وأمرٍ يحير الألباب، وأفعال تنكرت لها الأسباب! هذه المرة يُمارَس الفعل حتى لو نهى العقل والمنطق عنه، لأن الطبع يظل يجذب إليه بالغريزة. والذي حصل يا سادة يا كرام أن امرأة في حاضر العصر والأوان طلبت الطلاق من زوجها لأنه رفع برقعها خلال نومها ؟ وُعذرهُ (هداه الله) أنه أراد أن يرى وجهها لأول مرة منذ 30 عاماً من الزواج ؟؟ حدث هذا لأن تقاليد إحدى القرى تفرض ذلك . بعد هذا العمر كله يحاول (سامحه الله ) ويرتكب هذا الخطأ الكبير في حق زوجته الخمسينية وأم أولاده؟ ومع أنه (غفر الله له) وجه اعتذارات متكررة ووعد بعدم التجرؤ على فعل ذلك مرة أخرى، إلا أنها مازالت مصّرة على الطلاق !! حجتها أن ذلك هو ما اعتادت وتربت عليه! كما بيّن الخبر الذي أوردته "العربية نت" 8 /10/ 2007م أن هناك حالات مشابهة كثيرة لسعوديين وسعوديات لم يرَ أزواجهن وجوههن رغم مرور عقود على زواجهم! ويذكر الخبر أيضاً أن إحدى الزوجات فضلت أن تكون لها "ضُرّة" على أن تكشف وجهها لزوجها بعد أن هددها بالزواج من أخرى! والأشد قهراً حكاية سيدة أخرى عمرها 70 عاماً، لها ولدان شابان لم تنزع البرقع أيضاً منذ نعومة أظفارها، ولم يرَ زوجها ولا أولادها وجهها طيلة حياتهما؟؟ وتلاحظون أني وضعت علامات استفهام وتعجب بعد كل عبارة تقريباً لأني حقيقة لست أدري ما أقول؟ وأرى علامات التعجب والحيرة ترتسم على وجوه أغلب من يقرأ مقالي.
كلنا يحترم العادات والتقاليد خصوصاً لو وافقت الثوابت الشرعية، وكلنا يتفق على أن حياء المرأة يكاد يكون أكثر جاذبية من جمالها. ولو افترضنا أن المرأة الخمسينية ليست بالجميلة، إلا أني أرى أن الأعراف والتقاليد قد سحقت الاحتياجات الإنسانية الطبيعية. فلا دخل للحياء ولا للخجل ولا للدمامة هنا البتة! فمن يقول بحرمان الأولاد من رؤية وجه أمهم البيولوجية؟ ومن يقول بأن الرجال هناك (ساكتون وراضون) وهم محاصرون كغيرهم في كل مكان بوجوهٍ على التلفاز أبدعها الذي صوّر! لاشك أن الزوج يكظم حسرته في قلبه ويشتكي إلى الله حرمانه أبسط حقوق الزوجية. حرمانه من وصف طلتها البهيّة، وجمال الأقراط في أذنيها ولون حمرة الخجل في وجنتيها. حرمانه أن يُكَّّون في مخيلته صورة متكاملة الملامح والتعبيرات عنها. فلو ضاعت زوجته في السهول والأودية، أو ماتت لا سمح الله غرقاً أو حرقاً أو بين مجموعة تشبهها من النساء فلن يتمكن من التعرف عليها.
إن العمل الفاضل لن يؤمر أهله بتركه أبداً وشريعتنا السمحة (على حد علمي المتواضع) تجيز رؤية وجه المرأة في مواقف عديدة، منها عند الخطبة... فإنه أجدر أن يؤدم بينهما، وكذلك عند التعامل معها في بيع أو إجارة كما ذكر ابن قدامة: "وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليَعْلَمَها بعينها فيرجع عليها بالدّرَك (وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع)، كما أجازت الشريعة النظر إليها عند المعالجة والدواء خصوصاً إن لم يُعلّم امرأة أخرى تداويها وخافوا عليها أن تهلك أو يصيبها وجع لا تحتمله كما ذكر ابن عابدين.
ويرخص أيضاً في النظر إلى وجه المرأة عند الشهادة، قال ابن قدامة: (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها ، قال الإمام أحمد: "لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها". كما يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها، وله - عند ذلك - النظر إلى وجهها لمعرفتها، إحياء للحقوق، وصيانة لها من الضياع. وأخيرا يجوز النظر إليها إن كانت عجوزاً لا يُشتهى مثلُها. وبعد، ألا ترون معي أنه من حق الزوج أن يطالب (بفَتْش البراقع) والَفتْش (بفتح الفاء وتسكين التاء) كلمة فصحى تعني الكشف، أما البرقع فهو ما سَتَر الوجه وترك للعينين منفذاً كحيلاً. (وكحيلا هذه من عندي ) خصوصاً أن هذا الحَجْبَ فَعلٌ لا يستند إلى شرعية دينية. ويؤسف أن يكون برقع بعشرة ريالات سبباً في خراب بيتٍ قائم ٍمنذ 30 عاماً. أقول ختاماً أعانك الله يازوجها وأخرجك من هذه الورطة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي