هداك الله يا طـارق!!

يقول الفيروزأبادي صاحب (القاموس المحيط) في تعريف العقل "إنه العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، أو هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين فيكون التمييز بين القبيح والحسن، فيعقل صاحبه عن التورط في المهالك"، وبالتالي هو قوة تجعل العاقل (المقصود في مقالي هذا) مسؤولاً عن أفعاله.
قرأت خبراً عن رفض شاب سعودي ويدعى طارق (33 عاماً) تنفيذ حكم قضائي أصدرته محكمة الباحة الجزئية يقضي بغسيل وصيانة سيارات الدوريات الأمنية والتحميل والتنزيل منها لمدة شهر بدلاً من السجن أو الجلد بالسوط. وقد صدر عليه الحكم على خلفية مشادة جرت بينه وبين أحد رجال الأمن أتهم على أثرها بأنه أساء لفظياً إلى رجل أمن؟ ويأتي قرار طارق النهائي بعد أن فوجئ عند ذهابه في اليوم الأول إلى إدارة الدوريات الأمنية في الباحة لمباشرة محكوميته بالاستحقار والإهانة والسخرية من رجال الأمن الموجودين بالموقع كما منعوه من دخول دورات الميـاه؟ مما جعله يتوقف عن الذهاب بعد يومين مؤكداً أنه سيختار الجلد بالسوط أو السجن إن كان لا مفر من العقوبة!
وقرأت خبراً آخر عن صدور حكم على شاب عمره( 18 عاماً) أدين (بالاصطحاب المحرم) لفتاة في أحد شوارع جدة أصدره قاضي المحكمة الجزئية. ويقضي الحكم بحفظ جزء عمّ و40 حديثاً شريفاً على أن يراجع المحكمة عقب رمضان للتأكد من حفظه لها. نحن نعرف أن شريحة الشباب السعودي في التعداد السكاني هي الأغلب، كما أن وفيات الحوادث المرورية ترتفع فيها نسبة الشباب للأسف. كل ذلك وما زلنا نعايش ونسمع عن استهتار الشباب من جهة وعن فقـدان الثقة بعدالة وتمكّن ضابط الأمن أو شرطي المرور؟ ويسهم في تعزيز هذه الظاهرة اقتناع الشباب بأن "من له ظهر فلن يضرب على بطنه"، وأن بطاقة الواسطة أو الشفعة جاهزة حين الحاجة إليها! ولا أدري إلى متى سنستمر في ألا نتفق على شيء متفق عليه؟
وتلفت النظر ظاهرة التوجه إلى إصدار الأحكام البديلة عن السجن والجلد من عدد من القضاة في المملكة خصوصاً بعد إجراء الدراسات والتبين من عدم وجود سوابق لهؤلاء الشباب وحداثة سنهم. أما بشأن مناسبة الخدمـة الاجتماعية لتكون عقوبة بديلة، فهي من الأحكام الجديدة على المجتمع السعودي. فالآثار النفسية التي تترتب على أداء العقوبات الاجتماعية تعتبر وسيلة ناجعة لتقويم السلوك الإنساني، ويشتد وقع العقوبة على الفرد حسب التركيبة الاجتماعية والنفسية وحسب البيئة وأشكالها.
ولو افترضنا أن طارقا (المسكين) لم يتلفظ على رجل الأمن؟ (مع أني أستبعدها) لأن القاضي بعيد النظر وقد أجتهد في الإتيان بحكم جديد يخفف العقوبة الجسدية ويلائم فقه الواقع ويحقق الهدف. وهو ما نقف من أجله احتراماً لسماحة القاضي ونشد على يده وندعو الله أن يكثر من أمثاله. إلا أنه من المفترض أن تشجع البيئة المجتمعية الشخص المحكوم عليه في قضاء محكوميته ،لا أن تُتخذ فرصة لجعل أمثال (طارق) هزواً وسخريّاً؟ ومثل هذه العقوبات لن تفعل فعلها في ردع من تسول له نفسه ارتكاب الحماقات إلا بوجود أجهزة حكومية وإدارية تؤمن بمبدأ التكامل المنظم للمجتمع وتعمل بكفاءة فنية عالية تمنع استمرار عدم تطبيق مثل هذه الأحكام. فعقوبة خدمة المجتمع هي الملاذ الجديد الذي سيسهم في تربية من لا يستطيع التمييز بين القبيح والحسن فيتحمل بكل رجولة ومسؤولية نتيجة أخطائه.
ومع الأسف أقول إن أغلب شبابنا طائش، ويحتاج إلى أن يغربله الزمان ويحتاج إلى يد حكيمة تستخدم أسلوب الرأفة واللين لتحقيق الهدف وتقويم السلوك أو أن تضرب برأفة في مكان موجع وفي الوقت الملائم. ووالله لئن لم نفعل، فسيستمر الحال على ما هو عليه، وستخرج أجيال بأجساد كبار وعقول عصافير. وهذا ما لا نريد بتاتاً!
هداك الله يا (طارق) لمَ لمْ تُطبق وصف الفيروزبادي فأنت في أوج عمرك العقلي، وعليك اختيار خير الشـرّين، كن قدوة في تحمل المسؤولية وغسل السيارات وقم بأعمال الصيانة والميكانيكا، تحملها نفسياً ومعنوياً و(بلاش) يوم واحد خلف القضبان، أرجوك رجاءً خاصاً. وإن كنت ما زلت رافضاً فعلى نفسهـا جنت (الطـوارق)؟
كتبنا الله وإياكم من المقبولين. المغفور لهم الأوابين. وختم لنا الشهر بالعتق من النيران .آمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي