80 دولارا للبرميل .. ولكن!!
في الوقت الذي توقع فيه البعض انهيار أسعار النفط بسبب أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، لم يفاجأ البعض الآخر عندما وصلت أسعار النفط إلى 80 دولاراً للبرميل، فمنذ عدة أسابيع بدأت تظهر العديد من المؤشرات التي تدل على أن أسعار النفط ستبلغ هذا المستوى وتمت مناقشتها في مقالين سابقين نشرا في صحيفتنا المفضلة "الاقتصادية". المقال الأول بعنوان "نحو 80 دولارا للبرميل" ونشر بتاريخ 18 جمادى الآخرة، 1428. المقال الثاني بعنوان "أسعار النفط لن تتأثر بازمة الائتمان العقاري" بتاريخ 8 شعبان 1428هـ.
الآن، بعد أن تجاوزت أسعار النفط 80 دولاراً للبرميل، وبعد أن تبين أن أزمة الرهن العقاري لم تؤثر في أسعار النفط، ما سبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية؟ وماذا يعني وصول الأسعار إلى 80 دولارا للبرميل؟ وما مستقبل أسعار النفط؟
أسباب الارتفاع
تضافرت العديد من العوامل خلال الشهور الثلاثة الماضية على رفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية أهمها انخفاض صادرات بعض الدول النفطية بسبب زيادة الطلب المحلي على الكهرباء خلال أشهر الصيف، الأمر الذي أدى إلى أمرين، زيادة الاستهلاك المحلي من النفط على حساب الصادارات، وتحويل كميات من الغاز الذي يستخدم في حقن حقول النفط إلى محطات الكهرباء، الأمر الذي خفف من الضغط في بعض الآبار وخفض الإنتاج. إضافة إلى ذلك انخفض الإنتاج النيجيري بسبب أعمال العنف في منطقة الدلتا، كما انخفض الإنتاج الأمريكي بسبب توقف عمليات الإنتاج في خليج المكسيك بسبب الأعاصير التي مرت بالمنطقة، واستمر توتر العلاقات الإيرانية الغربية، واشتد توتر العلاقات بين فنزويلا وشركات النفط العالمية. كل هذا في قت استمر فيه الطلب العالمي على النفط في الزيادة. لهذا يمكن القول إن قوى السوق كانت وراء ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولار البرميل.
لكن التطورات الأخيرة في الاقتصاد الأمريكي أسهمت في جعل الأسعار تتجاوز حاجز 80 دولارا، وجعلت البعض يتوقع وصول السعر إلى 90 دولارا. هذه التطورات تتضمن أمرين أسهما في دخول المضاربين أسواق النفط بقوة. الأمر الأول هو انخفاض أسواق الأسهم الأمريكية في الفترة الأخيرة على أثر أزمة الأئتمان العقاري. هذا الهبوط أجبر مديري صناديق التحوط وغيرها على الهروب من أسواق الأسهم ودخول أسواق المواد الأولية، خاصة أسواق النفط. الأمر الثاني هو قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) بتخفيض أسعار الفائدة بعد اتباع سياسة تقشفية لفترة زمنية طويلة اعتمدت على الرفع المستمر والتدريجي لأسعار الفائدة. أسهم تخفيض سعر الفائدة في تخفيض قيمة الدولار، الأمر الذي جعل الاستثمار في السلع المسعرة بالدولار جذاباً ومجدياً. في نفس الوقت أسهم انخفاض الدولار في زيادة قناعة بعض المضاربين بأن أسعار النفط ستبقى مرتفعة لفترة أطول لأن انخفاض الدولار يرفع الطلب على النفط ويخفض إنتاجه نسبياً.
80 دولارا.. و لكن!
للأسف، فإن الارتفاع الأخير هو ارتفاع "اسمي" فقط بسبب استمرار الدولار بالانخفاض، وارتفاع أسعار واردات دول الخليج بسبب ارتفاع مستويات التضخم في الدول الصناعية، ولأن استمرار أسعار النفط في الارتفاع سيرفع معه مستويات التضخم في دول الخليج. نعم، لقد ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في الأيام الأخيرة، ولكن بالقيمة الاسمية فقط. الأسعار الحقيقية مازالت أقل من السعر القياسي الذي حققته أسعار النفط في بداية الثمانينيات بنحو 13 دولارا للبرميل. بعبارة أخرى، على أسعار النفط أن ترتفع فوق 95 دولارا للبرميل حتى تصبح قيمتها الحقيقية "قياسية". لقد وصلت الأسعار إلى منعطف خطر لأن أي زيادة في السعر لن تجلب المزيد من الرفاهية لدول الخليج بسبب انخفاض القيمة الشرائية لصادرات النفط مع انخفاض الدولار، ولأن أي ثروات إضافية يتم استثمارها في الغرب ستعاني انخفاض معدلات الفائدة من جهة، ومن تآكلها كون جزء كبير منها بالدولار. لقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها تخفيض أسعار النفط نسبياً من صالح دول الخليج على كل الأصعدة المالية والاقتصادية والسياسية، خاصة أن تخفيض السعر الإسمي قد لا يعني تخفيض السعر الحقيقي بنفس النسبة.
مستقبل أسعار النفط
ما إن بدأت أسعار النفط في الارتفاع أخيراً حتى قامت بعض الهيئات وبيوت المال العالمية بتعديل توقعاتها لأسعار النفط حيث أعلن بعضها أن أسعار النفط في الأسواق الأمريكية ستراوح حول متوسط قدره 85 دولار للبرميل خلال الأشهر الثلاثة القادمة مع احتمال وصولها إلى 90 دولارا في بعض الأحيان. كما توقعت العديد من الهيئات أن تنخفض أسعار النفط عن مستوياتها الحالية خلال العام المقبل، ولكن هناك شبه إجماع على أن أسعار النفط ستبقى فوق 60 دولارا للبرميل.
بناء على معطيات السوق الحالية، لا يمكن لأسعار النفط أن تستمر فوق 80 دولارا للبرميل، لذلك فإن توقعات البعض بأن يكون متوسطها في الربع الرابع من العام الحالي 85 دولارا مبالغا فيه. انتهت بعض الدول من توسعة طاقتها الإنتاجية وستشهد الأسواق كميات إضافية من النفط خلال الأسابيع القادمة. إن أي تحسن في أسواق الأسهم الأمريكية سيسحب المضاربين في أي وقت من أسواق النفط، وستنخفض الأسعار ببضعة دولارات. بالإضافة إلى ذلك فإن انتهاء شهر الصيف سيمكن بعض دول الخليج وشمال إفريقيا من زيادة صادراتها، رغم عمليات الصيانة المزمع القيام بها عما قريب.