تعزيز بنية الاقتصاد السعودي

من الواضح أنه على رغم التجاذبات الجيو سياسية في المنطقة إلا أن صانع القرار الاستراتيجي في السعودية لم يتردد أبدا في تعزيز الاستثمارات الضخمة في قطاعات البتروكيماويات والصناعات التحويلية والتابعة على المرفأ الشرقي منها، ما يظهر عمق النظرة الاستشرافية للمستقبل وبعد النظر ليس على الصعيد الجيوسياسي فقط بل حتى من حيث استحقاقات النمو السكاني الضاغطة التي تحتم إيجاد مصادر توظيف ودخل جديدة ـ غير النفط ـ للأجيال القادمة.
وكما هو معروف فإن السعودية تملك ميزة نسبية مهمة جدا على صعيد  صناعة البتروكيماويات وذلك من خلال أسعار اللقيم المنخفضة وتوافر العوامل اللوجستية الأخرى.
ولعل تدشين خادم الحرمين الشريفين لمشاريع تزيد على 54 مليار ريال رغما ـ لا أقول رغم ـ  عن الأزمة المالية العاصفة التي أثرت سلبا في أسعار النفط والبتروكيماويات إلخ. إنما يأتي في اعتقادي لسبب الأزمة ذاته الذي كشف عن أهمية هذه الصناعات لتعزيز بنية الاقتصاد السعودي، وهو الذي تعامل قبل الأزمة برشد، بل المؤكد أنها عززت حتى درجة سرعة التحرك باتجاه متطلبات المستقبل التوسعية.
ولاشك أن حجم هذه الاستثمارات يعكس توافر السيولة من خلال صناديق الاستثمار الحكومية والخاصة عبر ضمانات معتبرة في أرضية ائتمانية مطمئنة.
هذه المشاريع بالنسبة للمملكة تعتبر استراتيجية و ضرورية  حتى على مستوى إحلال السلع ذات الجودة العالية والسعر المنافس، وفي نفس الوقت تنشيط الدورة الاقتصادية في الداخل عبر ما يسمى بآثار الدفع إلى الأمام وآثار الدفع إلى الخلف، إذ إنها ستنشط صناعة البناء والتشييد والكهرباء وغيرها كما أنها ستفتح آفاق لظهور صناعات تحويلية وتابعة وخدمية أخرى بعد قيامها وذلك بدوره يؤدي إلى نشوء حركة اقتصادية مستقرة ومستدامة في نفس الوقت.
ثم إن التوقيت يعتبر ملائما جدا للتوسع الصناعي والاقتصادي انسجاما مع الرؤية الاقتصادية التي تفضل بناء المشاريع التوسعية في أوقات الركود عندما تكون تكلفة إنشائها منخفضة بعيدا عن عوامل انخفاض أسعار المشتقات البتروكيماوية على المديين القصير والمتوسط. ففترة إنشاء المصانع الضخمة لا تقل عادة عن خمس سنوات. وحسب التقديرات فإن الاقتصاد العالمي سيبدأ بالتعافي من منتصف عام 2009، وهذا يعني أنه من المحتمل أن تكون الأسعار في قيعانها أو قريبة منه.
وفي حال عودة النمو الاقتصادي في أمريكا وبقية دول العالم مرة أخرى، فمن المحتمل أن يشهد الطلب نموا قويا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها إلى مستويات أعلى من الأسعار السابقة خلال عددا من السنوات القليلة. كما أن عنصر المنافسة يبقى لصالح السعودية حيث ستستمر الشركات في  الإنتاج عند طاقتها القصوى أو قريبا منها في حين ستضطر كثير من المصانع في بعض الدول كأمريكا وأوروبا واليابان إلى إقفال كثير من خطوط الإنتاج، وهنا سنشهد منافسة حول: ما هي الدول التي ستبقى لتؤثر بشكل جوهري في صناعة البتروكيماويات؟ وأعتقد أن السعودية لديها مزايا عديدة تجعلها تستغل متغيرات المرحلة لتكون إحداها، وبحسب دراسات فإن الإنتاج من خليج المكسيك في أمريكا غير مجد إلا عند دولارين للغاز، وتبقى الصناعة في الاتحاد الأوروبي غير منظمة في حين تبقى طاقات الإنتاج من اليابان صغيرة جدا.
أخيرا فإن القدرة على خلق الفرص الاستثمارية ليست أمرا يسيرا فهي تحتاج إلى توطئة قانونية وتشريعية تعزز من ثقة المستثمر الأجنبي للدخول إلى السوق المحلي باطمئنان. وقد تعاملت حكمة خادم الحرمين الشريفين مع هذا الأمر الملح عبر سلسلة من القوانين والأنظمة التي تعنى بالاستثمار الأجنبي، وتبقى درجة الالتزام بالتطبيق على أرض الواقع داعما، أتوقع أن يحدث زخما استثماريا غير مسبوق. كما أن شبكة الخطوط الحديدية التي تعمل السعودية على ربط البلاد بها ستوفر الكثير من تكاليف النقل وتحدث التكامل الأفضل وتعطي خيارات لوجستية مرنة لتصدير منتجات مرفأ من خلال مرفأ تصدير آخر في حال الضرورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي