كيف يرى بن لادن إسرائيل؟

تعرضنا في هذه المساحة في مرتين سابقتين لبعض تصورات تنظيم القاعدة وبصفة خاصة زعيمه أسامة بن لادن حول الصراع مع الدولة العبرية والسبل الأمثل التي يراها لتحقيق النصر عليها. وفي هذه المرة نحاول عبر قراءة الوثائق المنسوبة لزعيم القاعدة أن نتعرف على طبيعة إسرائيل كما يراها وكيفية نشأتها والأدوار التي تقوم بها.
ففي جملة تعد الوحيدة من نوعها في كل وثائقه من زاوية وضوحها ودقة مصطلحاتها يقول بن لادن إن "العدو اليهودي الحالي ليس عدواً مستقراً في بلاده الأصلية محارباً من الخارج حتى يجوز معه الصلح، بل هو عدو صائل مفسد للدين والدنيا". ويعني ذلك التعريف أن إسرائيل كما يراها بن لادن ليست دولة أصيلة مستقرة بصورة طبيعية في الأراضي التي توجد عليها وتقوم بالاعتداء على جيرانها من الخارج انطلاقاً من ذلك الوضع المستقر الطبيعي كأي دولة أخرى في العالم، بل هي عدو معتد على هؤلاء الجيران من داخل أراضيهم التي احتلها بدون حق. وانطلاقاً من ذلك التعريف يرى بن لادن أنه لا يجوز الصلح مع ذلك العدو المعتدي من الداخل كما قد يجوز أحياناً مع العدو المحارب من الخارج انطلاقاً من وضع سياسي وجغرافي مستقر وطبيعي.
وتبدو طبيعة إسرائيل الجغرافية والسياسية حسبما يرى بن لادن متنامية وهادفة للتوسع من أجل الوصول إلى "إسرائيل الكبرى"، فهو يعتقد في وثيقة أخرى أن "من أهم أهداف الحملة الصليبية الجديدة تهيئة الأجواء وتمهيد المنطقة بعد التقسيم لقيام ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى التي تضم داخل حدودها أجزاء كبيرة من العراق ومصر مرورا بسورية ولبنان والأردن وكامل فلسطين وأجزاء كبيرة من بلاد الحرمين". وقد ورد مصطلح "إسرائيل الكبرى" حسب هذا المفهوم الذي طرحه بن لادن مرات عديدة في مواضع مختلفة من وثائقه، مذكراً في معظمها بالدول والمناطق المرشحة لضمها إليها، ومؤكداً فيها على ما سيحيق بتلك الدول والمناطق من جراء ذلك. ويرتبط ما يرى بن لادن أنه سيلحق بتلك الدول والمناطق من جراء توسع إسرائيل بالدور الأساسي الذي يراه لها، حيث يستخلصه من مقولة لابن تيمية في أنه "إفساد الدين والدنيا"، الأمر الذي يؤدي إلى أن تكون مواجهتها هي الواجب الأول بعد الإيمان بالله وبكل السبل المتاحة والممكنة وبدون أن يشترط لذلك أي نوع من الشروط. وفي ظل هذا "الإفساد للدين والدنيا"، يرى بن لادن أن قيام "إسرائيل الكبرى" سوف يجعل مما جرى في فلسطين تجاه أهلها في ظل "إسرائيل الصغرى" نموذجاً "يراد تكراره في سائر المنطقة على يد التحالف الصهيو - أمريكي.
وفي ظل هيمنة ذلك التصور للدولة العبرية على بن لادن يرى بصورة قاطعة أن الحرب قائمة بالأساس "اليوم بيننا وبين اليهود، فأي دولة تدخل في خندق اليهود فلا تلومن إلا نفسها"، وذلك باعتبارهم أعداء الإسلام إلى قيام الساعة. ووجود اليهود بدولتهم إسرائيل في قلب التحالف اليهودي - الصليبي كما يسميه أسامة بن لادن والذي يواجه المسلمين لا ينفي وجود عدو آخر مركزي بداخل ذلك التحالف وهو الولايات المتحدة التي يرى أنها تمثل الطرف الصليبي فيه. فحسبما يرى بن لادن فإن "أمريكا أقحمت نفسها وأقحمت شعبها مرارا وتكرارا منذ أكثر من 53 سنة، وهي التي اعترفت بإسرائيل، وهي التي دعمتها". وبناء على ذلك يرى بن لادن أن العلاقة بين اليهود والإسرائيليين والولايات المتحدة قد وصلت من التلاحم إلى حد أن "الذين يفرقون بين أمريكا وإسرائيل هم أعداء حقيقيون للأمة". ويذهب بن لادن إلى وصف أدق لحقيقة تلك العلاقة كما يراها، حيث يعتقد أن من يحرك الولايات المتحدة في الحقيقة ليس سوى "اليهود" والإسرائيليين الذين استطاعوا السيطرة على القوى الغربية الكبرى بشكل عام وبصفة أخص على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا. وهذا التواجد والنفوذ اليهودي والإسرائيلي بداخل مراكز القيادة الأمريكية يرجع حسبما يرى بن لادن إلى أن شاغليها يريدون "أن يبقوا على سدة الحكم"، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى أن "الشعب الأمريكي والغرب عموما سيدخل في حياة خانقة، في جحيم لا يحتمل".
من هنا، فإن بن لادن يعتقد أنه على المسلمين أن يتيقنوا من أن "أي هجوم اليوم على أي دولة في العالم الإسلامي إنما المهاجم الحقيقي هو إسرائيل"، حتى لو كانت الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية هي التي تقوم به. أما ذلك التركيز الذي بدا واضحاً أن بن لادن في السنوات الأخيرة راح يضعه على الولايات المتحدة أكثر من إسرائيل "كعدو" رئيسي للعالم الإسلامي فهو يجد تفسيره لديه فيما يعتقد هو أن قتال الطرفين يعد "فرض عين" واجب على كل مسلم وأن لكل من القضيتين أهميتها الخاصة، إلا أنه وكما يقول "أحياناً قد تتوافر مقومات في إحدى القضيتين تدفع بها أكثر من غيرها فنتحرك بهذا الاتجاه دون إهمال للاتجاه الآخر". ويسمي بن لادن تحرك هذه المواجهة بين العدوين "انتقال من واجب إلى واجب، والانتقال من واجب إلى ما هو آكد منه لا حرج فيه شرعا، وكلها يخدم بعضه بعضاً".
إن تلك هي الخطوط العامة للرؤية التي يحملها زعيم تنظيم القاعدة لإسرائيل وأدوارها، وهي تأتي ضمن رؤية أوسع يتبناها لما يعتقد أنه الصراع التاريخي الطويل الذي يخوضه المسلمون مع أعدائهم منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، وهي كلها رؤى وأراء تحتمل - بل وتستوجب - النقد والتحليل حتى نستطيع أن نفهم بدقة كيف يفكر ويتصرف الغلاة من المنتسبين لديننا وأمتنا تجاه قضايانا الرئيسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي