الإعلام أول ضحايا التغيير

لا شك أن الإعلام يعد السلطة الرابعة في الدولة, وصنف كسلطة لقدرته على التغيير والتعبير والكشف ونقل وجهات النظر. ولكن المؤسسات الإعلامية العالمية, وليست فقط العربية, تعاني أوجاعا في داخلها وأكثر ما تعانيه هي السلطة المفروضة على رئيس التحرير سواءً سلطة الدول أو سلطة المجتمعات أو سلطة الجهات الرقابية الأمنية, إضافة إلى سلطة الجهات القانونية والإدارية, كما أن رئيس التحرير هو من يدفع الثمن دائما من أخطاء الكتاب والمحررين والمخرجين, حتى تقصير المصححين, ويعد رئيس التحرير الأكثر عرضة من غيره للمحاسبة والمقاضاة والمحاكمة حتى التهديد.
هذه حقيقة يعرفها كل من يعمل في حقل الإعلام, بل إنها ثوابت يعانيها رئيس التحرير. والآن عدواها انتقلت إلى القطاعات الحكومية وأصبح رئيس تحرير المطبوعة الحكومية ومدير الإعلام والنشر هما أكثر الموظفين عرضة للتغيير والنقل والمحاسبة .. بعض الوزراء في أول يوم تطأ قدمه رخام أو خزف سراميك الوزارة تكون أول قراراته تغيير مدير الإعلام ومن ثم يتبعه في فترة لاحقة تغيير مدير مكتبه بلا شك. من حق كل وزير ومسؤول أن يكون له طاقمه لقيادة القطاع إدارياً وفنياً لكن مع شيء من الاحترام للجهات الإعلامية التي ينظر إليها كإدارة هامشية وملحقة بمكتب الوزير رغم أنها عملت بإرادتها أو إرادة غيرها من أجل حماية الجهاز. وإذا كانت هذه منهجية القيادات في التغيير فلماذا لا تطول سوى الإعلام؟ ولماذا لا تصل إلى الوكلاء ومديري العموم والنافذين السابقين حتى لا يكون استهدافا للإعلام لكونه الحلقة الأضعف؟
تحديد مدة تكليف رئيس التحرير في المؤسسات الإعلامية أو مدير الإعلام في القطاع الحكومي بسنة أو ثلاث سنوات أو خمس سنوات تجددها الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة إن كان المجلس مستقلا أو الوزير الحكومي, فهذا تنظيم إداري وحفظ للحقوق وصيانة للنظام وللإجراءات ومؤشر لمؤسسية الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص. لكن أن يتحول رئيس التحرير ومدير الإعلام في أي مطبوعة أو جهاز حكومي إلى مسؤول مفزوع ومضطرب يخاف من التغيير ومن مزاج رئيس الجهاز والأجهزة الرقابية والإدارية العليا فهذا سيؤدي حتما إلى إيجاد مطبوعات وإدارات إعلام ضعيفة وغير ناجحة إعلاميا.
الذي راقب أجهزة الدولة التي يفترض أن تحدث تغييراً نوعياً ومهنيا في مسلكها وإدارتها اكتفت بنقل أو تغيير مدير الإعلام وجعلته بطولة صحافية ومن أشجع القرارات. ورؤساء تحرير الصحف الذين غادروا مواقعهم تمت صياغة إقالتهم بالفشل الصحافي والإداري رغم أنها لم تكن الحقيقة, فلو أن الأمر ارتبط بأنظمة إدارية ومهنية تنظيم العلاقة حتى لو كان التجديد تلقائيا ما لم يكن رئيس التحرير قد عرض المؤسسة لخسائر مالية أو خالف أنظمة النشر ذات الحساسية العالية لكن هذا أسلم من الناحية الإدارية والإجرائية.
مدير الإعلام يجب أن ينظر إليه كموظف له اعتباره له مهامه ومسؤولياته لا أن ينظر إليه على أنه أشبه بوسيلة لأي مسؤول داخل المنشأة, وهذا يدعونا إلى إيجاد ثقافة إدارية جديدة للمسؤول الأول بأن يحسن من نظرته باعتبار مدير الإعلام شريكاً في الخطط ومعنيا بالتنفيذ, لا أن ينظر إليه كأول خيارات التغيير, وأنه رقم وظيفي من السهولة المتاجرة به في الكسب الإعلامي وخبر رئيسي في الصحف يتضمن إقالة مدير الإعلام أو تغييرات تشمل الإعلام والاتصالات الإدارية .. وفي المقابل يعد هذا إنجازاً للوزير الجديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي