الإرهاب في أفغانستان وباكستان: على الهند الانضمام إلى القتال
أصبحت باكستان موطن الإرهاب الأصولي الدولي، وذلك بتركيز خاص في منطقة خط حدودها مع أفغانستان. وبينما وسعت طالبان بقيادة الملا عمر من سيطرتها على ريف أفغانستان، بمساعدة من القاعدة، فإن بيت الله مشهود ثريك، زعيم طالبان باكستان، ومولانا فضل الله ثيريك، ونافذ شريعة محمدي، سيطروا على كثير من مناطق القبائل الواقعة تحت السيطرة الرسمية الفيدرالية في الإقليم الشمالي الغربي من باكستان، بما فيها وادي سوات المعروف. وقد وقّع مولانا صوفي، بالنيابة عن مولانا فضل الله، اتفاقية مع السلطات الرسمية لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. ويبدو أن بيشاور ستكون المرحلة التالية، حيث بدأ الناس بالهرب من هذه المدينة الحدودية.
إن الجيش الباكستاني، بدأ يفقد بصورة تدريجية، ولكنها خطيرة، سيطرته على المنطقة الباكستانية المرتبطة بأفغانستان، حيث إنه يواجه معارضة داخلية متزايدة، إذ إن قواته لا تريد محاربة الإخوة من السنة، إضافة إلى أن البشتون بدأوا يفرون من قوات الجيش بأعداد كبيرة. وأصبحت قوات مقاومة الجيش تستخدم وسائل حديثة للغاية في عمليات التمرد والمقاومة، حيث يمكن أن يقال إن جانبها الهجومي قد تحسن. ولجأت القوات الحكومية في البداية إلى تكثيف الغارات المدفعية، والجوية، ولكن ذلك أثبت أنه يعمل ضد الأهداف التي وضع من أجلها. وحاولت السلطات كذلك شراء ولاء القبائل المتمردة من خلال عدد من صفقات السلام.
تطالب إدارة أوباما السلطات الباكستانية بالتشدد لمنع توفير ملاذات آمنة لكل من طالبان، والقاعدة، على الأراضي الباكستانية، كما أنها زادت خلال الفترة الأخيرة من كثافة قصفها الصاروخي بطائرات تطير دون طيارين لمواقع المتمردين على الأراضي الباكستانية. ويعمل الصراع السياسي، وعدم الاستقرار، الناجمان عن الخلاف بين الرئيس زرداري، ورئيس الوزراء السابق، نواز شريف، على تشتيت انتباه واهتمام رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال كياني، حيث عادت إلى الأجواء توقعات قيام الجيش بالاستيلاء على السلطة في البلاد. ونتج عن ذلك أن حركات التمرد تتحرك بكل حرية في الإقليم الغربي الشمالي من باكستان، وأن نفوذ حركة طالبان قوي في اتجاهه الآن نحو إقليم البنجاب. وقد تجسد ذلك بصورة واضحة تماماً في الهجوم الذي وقع في وضح النهار على فريق الكريكيت السريلانكي في مدينة لاهور.
أما بالنسبة للهند، فإن هنالك أمرين يحكمان تحركها في مواجهة طالبان، أولهما أن من مصلحة الهند في الأجل القصير أن تظل نشاطات طالبان محصورة في مناطق الحدود بين باكستان وأفغانستان. وإذا انتشرت النشاطات الراديكالية المتشددة عبر نهر إندوس باتجاه البنجاب الباكستانية، فإنها ستصل في نهاية المطاف إلى شمال الهند، حيث إن في الهند عدداً من المسلمين يفوق عدد سكان باكستان. وعلى الرغم من أنهم ظلوا هنوداً جيدين، ومسلمين جيدين، لغاية الآن، فإن بعضهم يمكن أن يسقط ضحية للدعاية المكثفة للغاية من جانب الإرهابيين. وحتى إذا أصابت عدوى العنف جانباً صغيراً من مسلمي الهند، فإن نتائج ذلك ستجعل حالات التفجير الأخيرة التي شهدتها بنجالور، وحيدر أباد، وجابور، ومومباي، ونيودلهي، وفاراناسي، بمثابة ألعاب نارية تطلق في احتفال الأضواء الهندي، ديباوالي. وأما في الأجل الطويل، فإن من مصلحة الهند، والمنطقة، والعالم، اجتثاث الإرهاب من أفغانستان، وباكستان، والحدود الممتدة بينهما.
على الرغم من الـ 17 ألف جندي الإضافيين الذين أمر الرئيس أوباما بإرسالهم إلى أفغانستان أخيراً، فإن القوات الأمريكية، وقوات حلف شمال الأطلسي، ليست قادرة على هزيمة طالبان والقاعدة، حيث سيطر المتمردون التابعون لهما على معظم أرجاء أفغانستان. وإن سعة منطقة العمليات تجعل من الصعب على القوات النظامية الاستمرار في الحرب فيها على مدى طويل، إضافة إلى افتقار القوات الأمريكية، وقوات حلف الأطلسي للقدرات المهنية المطلوبة لمثل هذا النوع من الحروب. ويتطلب ذلك من المجتمع الدولي تشديد الخناق على مناطق وجود المتمردين، وإشراك عدد أكبر من القوى الإقليمية في هذه الجهود. ونجد أن الهند، بين كل هذه القوى الإقليمية، لديها قوات مسلحة مدربة ذات سجل ناصع في مقاومة التمرد على مدى 50 عاماً مضت.
إن وجود أفغانستان مسالمة، وقادرة على الدفاع عن استقلالها الاستراتيجي، يصب تماماً في مصلحة الهند القومية. وإن أفغانستان بلد كان له علاقات صداقة تقليدية حميمة مع الهند. ولجأت الهند فقط إلى المساهمة الدبلوماسية والاقتصادية الناعمة في جهود المجتمع الدولي في أفغانستان بعد الإطاحة بطالبان في عام 2001، حيث أسهمت بمبلغ مليار دولار لإنشاء طريق ديلارام زارنج السريع، وبناء وإدارة عدد من المدارس، والمستشفيات، وتدريب كوادر الإدارة الناشئة في أفغانستان.
وإذا كانت الهند تريد أن تكون قوة إقليمية مؤثرة، فإن عليها تجاوز مخاوف الفشل في معالجة الصراعات الإقليمية، حيث كانت لها تجربة فاشلة في سريلانكا عام 1980. وعليها كقوة متعاظمة في المنطقة، أن تمارس سلطات إقليمية واضحة ومشروعة تماماً.
وإذا كان على الهند أن ترسل قوات مسلحة إلى أفغانستان، فإنها لن تفعل ذلك إلا تحت علم الأمم المتحدة، وبموجب تفويض جديد من جانب مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وستتردد باكستان كثيراً في وجود قوات هندية موجودة في مناطق جلال آباد، وقندهار التي تشهد أشد عمليات التمرد، حيث يمكن أن ترى في مثل ذلك الوجود تهديداً مباشراً لها.
وبالتالي، فإن من الحكمة إرسال القوات الهندية إلى مزار الشرق في الشمال، أو حيرات في الغرب. ويمكن للهند أن تبدأ بإرسال خمسة آلاف جندي كقوة عسكرية أولية، لتتوسع بعد ذلك إلى 15 ألف جندي، حين تصبح الظروف المساندة مهيأة على الأرض، وذلك عبر ميناء شابانار الإيراني، أو من خلال تركمانستان، أو أوزبكستان. وإذا كانت هنالك صعوبات لوجستية في ذلك، فإن هناك أساليب للتغلب على كل ذلك.
إن الوضع الحالي على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية وصل إلى مأزق استراتيجي في الوقت الراهن. وبالتالي فإن على المجتمع الدولي دراسة أساليب جديدة لحل هذه المعضلة الصعبة. وتتطلب الأمور التكتيكية توفير أعداد أكبر من القوات العسكرية، بما يفوق ما لدى الأمريكيين، وحلف شمال الأطلسي، من قوات عاملة على الأراضي الأفغانية. وإذا كان لا بد من إنهاء تمرد القاعدة، وطالبان، فإنه لا بد من مزيد من القوات الأرضية للقيام بذلك، بدلاً من الاكتفاء بالغارات الجوية. وبإمكان الجيش الهندي، وسلاح الجو الهندي، مع قوات أخرى، قلب هذا الاتجاه. وآن الأوان لكي يتوقف المجتمع الدولي عن ممارسة الألاعيب السياسية على مستقبل منطقة هشة وصعبة، وعليه أن يتحرك لإشراك القوى الإقليمية حتى تتمكن من القيام بدورها المستحق في ذلك.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: Opinion Asia