هموم الصناعة والصناعيين

قبل عدة سنوات تم دمج وزارتي التجارة والصناعة في وزارة واحدة، بعد فصلهما في أول وزارة في عهد الملك خالد ـ رحمه الله تعالى ـ. كان المهندس عبد العزيز الزامل وزير الصناعة والكهرباء الأسبق بالكاد يجد وقتا للقيام بمهام الصناعة مع الكهرباء، وكذا كان الدكتور سليمان السليم في وزارة التجارة. وعلى الرغم من فصل شؤون الكهرباء عن الصناعة، إلا أن مشكلات الصناعة وتحدياتها اتسعت وتعقدت مع نمو النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على الإنتاج الصناعي. واليوم يكاد يجمع التجار والصناع على حاجة البلاد الماسة إلى العودة لفكرة فصل مهام الصناعة عن التجارة.
إن أهمية الصناعة كخيار استراتيجي لازم للمساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل، بجانب حاجتنا إلى سرعة تطوير وتنمية النشاط الصناعي وتذليل عقباته مع اتساع التحديات والمنافسات التي تواجهه بعد انضمامنا لمنظمة التجارة الدولية، كل ذلك يستدعي تفرع وزير لتحمل مسؤولية إدارة وتوجيه النشاط الصناعي بعيدا عن هموم التجارة ومشكلاتها. وفي الملتقي الصناعي الرابع الذي عقد في الغرفة التجارية والصناعية في جدة يوم الثلاثاء الماضي تحت رعاية الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، أعاد الصناعيون ورجال الأعمال تأكيد رغبتهم هذه، وناشدوا سموه نقلها للمقام السامي.
ومن ناحية ثانية، تقف مشكلة ندرة الأراضي الحرة غير المملوكة – على الرغم من اتساع بلادنا طولا وعرضا- كعقبة كأداء تحد من توسع المناطق الصناعية في كثير من مدن ومناطق المملكة باستثناء بعض المناطق الأقل نموا. ومن الصعب تصور نمو النشاط الصناعي وتحقيق أهدافنا الاستراتيجية دون وضع حد لهذه الظاهرة الفريدة. في ظل نمو السكان وزيادة حاجة الناس والشركات إلى هذه الخدمات، فإن استمرار ندرة الأراضي الصالحة للأغراض الصناعية (بجانب أم المشكلات الأخرى المتعلقة بندرة الأراضي السكنية) يعطل تنمية هذين القطاعين، ويرفع من تكاليفها المستقبلية، ويعمق الفجوة الكبيرة الحاصلة أصلا بين الطلب والعرض على هذه الأراضي. وكل ما نخشاه أن يأتي يوم – وربما لم يعد بعيدا – نرى فيه شللا في النشاط الإسكاني والصناعي بسبب هذه المعضلة. إنها معضلة خطيرة تحتاج إلى معجزة خارقة تضع حدا نهائيا لطغيان المصالح الفردية على مصالح البلاد العامة!
القطاع الصناعي في بلادنا ينمو بمعدل 9 في المائة سنوياً، والحاجة ماسة لتوفير أراضي صناعية إضافية بشكل مستمر، فالطلب كبير والعرض محدود. ففي مدينة جدة يوجد 460 مصنعا في المنطقة الصناعية، فيما هناك 650 مصنعاً خارج الصناعية، وهناك طلبات أخرى لتوسيع مصانع قائمة وإقامة مصانع إضافية، وكذلك الحال في بقية مدننا الرئيسة.
الدكتور توفيق الربيعة مدير عام الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، يبذل جهودا خارقة لتوسيع رقعة المناطق الصناعية في جميع مناطق المملكة بالموارد الذاتية للهيئة. وزميلنا في "الاقتصادية" ورئيس الملتقي الصناعي الرابع المهندس حسين أبو داود، لاحظ أن المدن الصناعية حظيت من وزارة المالية خلال ثلاثة عقود على ثلاثة مليارات ريال فقط، فيما هي في حاجة إلى 12 مليار ريال!
تحية لأميرنا الهُمام أمير التنمية خالد الفيصل رجل الأفعال الذي وعد في الملتقى الثالث في العام الماضي بتكليف أمانة جدة بتسليم الأراضي المطلوبة هيئة المدن الصناعية، وقد أوفى بوعده وتم تسلم جزء منها، ووعد باستمرار العمل على تسليم ما تبقي منها. هناك حاجة ماسة إلى مساحات عاجلة إضافية جنوب غربي المدينة الصناعية الثانية، ومساحات في بحرة، وأخرى في جنوب غربي ثول وعسفان. وسرعة التسليم مطلوبة لأن الدكتور توفيق الربيعة يقول أن تجهيز الأراضي يحتاج إلى ما بين سنة ونصف إلى سنتين من العمل والتخطيط لكي يبدأ التنفيذ الفعلي عليها. تذليل عقبات نمو النشاط الصناعي لا يسهم فقط في تنويع دخلنا الوطني، بل يسهم في توليد فرص عمل أمام أبنائنا وهو أمر مهم جدا لدعم استقرارنا الاجتماعي والأمني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي