الحرب الاقتصادية الجديدة
يبدو أن الخطر النووي، والخوف من أن يتفجر العالم وتنتهي الحياة البشرية، قد أفضيا إلى حلول جديدة لممارسة عادة الحرب التي لم يتمكن الإنسان من التخلص منها.. تلك التي يرى فيها متنفساً وعبقاً لا بد من الأخذ به، متنفساً يجره إلى ممارستها بين الفينة والأخرى، ولا يعنيه ماذا تحصد، ومن تدمر؟ وفق متع ملموسة ومجربة كما كانت عليه الحربان العالميتان السابقتان، اللتان حصدتا ملايين البشر.
عادة الحرب كانت من الشوق لها أنها وإن لم تجد عدوا خارجياً انبرت إلى الداخل لتمارس متعتها بين أبناء البلد الواحد ليمارسوا الذبح والنحر والتقتيل فيما بينهم، كما في إسبانيا منتصف القرن الماضي، وراوندا قبل عقد من الزمن، وبين الفلسطينيين فيما بينهم في القريب الفائت، وحتى إن كانت من باب التسلط وممارسة الجبروت كما هي جرائم الحرب الإسرائيلية من تلك التي شنوها على العرب والفلسطينيين كثيرا سابقاً وحالياً.
قد تستمر تلك النوعية من الحروب كما هي بين أهل البلد الواحد أو تلك من نوعية العبث التسلطي الإسرائيلي، لكن كما الحروب الكبيرة مثل ما حدث في الحربين العالميتين .. فالأكيد لا .. ليس لأن العالم قد تخلى عن حبه للحرب، بل لأن مثل تلك الحروب أصبحت خطراً يهدد استمرار البشرية، وحري بها أن تفتك بكل حياة على هذه الأرض، وعليه فلا بد من الحل ..
فالعالم يريد حروباً لأن البقاء دون لياقة حربية ضار جداً .. وبخاصة للدول العظمى وهي التي تدرك أن حرب الأسلحة قد تفضي إلى دمار نووي كامل لها ولشعوبها وكل من على الأرض.. ولا سيما أن هذا السلاح أصبح بيد العابثين من كوريا الشمالية وإيران وإسرائيل .. وبيد المتسلطين كما في أوروبا وأمريكا والصين.
الحل في لعبة الحرب الاقتصادية، وهي بلا شك ستختلف عن الحربين المدمرتين السابقتين، لكن فيها انتصار وسحق وقوة وارتقاء.. حرب من شأن المنتصر فيها أن يمسك بزمام العالم كله، يديره ويتحكم فيه، يسحق من يشاء ويؤازر من يشاء! وفي الأمر متسع لكي يكون العالم تحت سيطرة أكثر من قوة، ولا بأس من التحالف لتحقيق ذلك.
فالانهيارات البنكية لا تحتاج إلى خطة مارشال جديدة، بل إلى قوة استراتيجية جديدة تقبض على الموازين الاقتصادية وتسيرها كما تريد .. وبالطبع إن فعلت ذلك فهي ستضع الأعداء المفترضين في زاوية ضيقة وسينقادون قسراً للمنتصر.
الاقتصاد هو اللعبة الحقيقية للانتصار، وما انتصار أمريكا في الحرب الباردة إلا عنواناً جديداً لنوعية الحروب المستقبلية، والأمر نفسه ينطبق على الاتحاد السوفيتي ولكن من وجهة نظر الخاسر الذي لم تسعفه خططه الاقتصادية لكي ينتصر، فانهار غير مأسوف عليه، لكن هل الانهيار الاقتصادي الأخير أوضح أن أمريكا نالت نصيبها من الخسارة في الحرب الاقتصادية؟ ولكي تنجو من بعض آثارها عممت مبدأ "علي وعلى أعدائي"؛ فشملت العالم كله بخسارتها!.. يبدو أن هذا ما حدث .. وويلنا من الحرب المقبلة، وإن كانت من دون أسلحة، بل بورق بنكنوت، وأرصدة قريبة من الزوال!
وبين هذا وذاك، ماذا عنّا كعرب.. لا بل كخليجيين؟ وفقاً لأن مفهوم العرب بات يضم في بعضه اعوجاجاً نتمنى نحن الخليجيين ألا يطولنا منه شيء كي لا يعيينا ويضرنا ،أقول إن الأزمة القريبة التي ضربت العالم قد منحت الاقتصاديات الخليجية كثيراً من القدرة على استيعاب الدرس، والقدرة على الابتعاد عن أي حرب اقتصادية مستقبلية، لكن حسبنا أن هناك من يريد أن يجرنا جراً إليها كما هم الفرس شرق الخليج وأعوانهم جنوب لبنان .. عبر حرب اقتصادية جعلت من المال مطمعاً لتغيير النفوس، والعبث باستقرار الدول.