مواثيق الأطفال الدولية

الطفولة وكيف تتم حمايتها من المعاناة في مختلف أشكالها وأسبابها, هي القضية الأهم لدى جميع المنظمات الإنسانية والجمعيات العالمية والإقليمية والمحلية, ذلك أن أكثر من ثلثي أطفال العالم، والذين يشكلون سكان العالم الثالث يعانون من مشكلات حياة ووجود، حيث تنحصر أغلبها في أمراض سوء التغذية والأمراض المعدية وانتشار الفقر ونقص الغذاء والماء الصالح للشرب والمأوى الصالح للسكنى مع زيادة وفيات الرضع ومن دون الخامسة لافتقاد الرعاية الصحية. كما يتعرض الكثير من هؤلاء الأطفال للمتاجرة والاستغلال الاقتصادي والبدني والمعاملة السيئة وفي مناطق كثيرة في العالم.
وفي عالمنا العربي والإسلامي بصفة خاصة - كما تذكر التقارير السنوية - الأطفال يعانون بالدرجة الأولى آثار الاحتلال والحصار والطرد والتشريد والقتل والتعذيب والسجن مع أسرهم. وما نشر أخيرا عن الوضع المأساوي الذي يعانيه أطفال العراق ابتداء من القتل والاعتقال وانتهاء بتركهم مقاعد الدراسة والعمل في بيع علب المناديل الورقية في الطريق أو العمل في تنظيف الشوارع!! أو صبيان في محال إصلاح السيارات، وأخيرا ما نشر عن بيع أحد الآباء ابنه بـ 400 دولار ليتمكن من إعالة أسرته، ما أدى بوالدته إلى الانتحار من هول المأساة!! رغم أن هؤلاء الأطفال قبل الاحتلال الأمريكي لوطنهم كانت دولتهم حققت القضاء على الأمية قبل أي دولة عربية، وكانت من أوائل الدول التي أصدرت القانون الإلزامي للتعليم الابتدائي!!
ولا يغيب عن الذاكرة ما يعيشه أطفال فلسطين وغزة على وجه الخصوص من قتل واغتيالات لأهاليهم أمام أعينهم, وحرمانهم من أدنى احتياجات الطفولة التي عبروا عنها هم شخصيا في اللقاءات معهم على قنوات الجزيرة والمنار أيام الحرب على غزة من الصهاينة.
هذه المآسي والمجاعات التي يعيشها الأطفال سواء في العالم الثالث أو سواه, أجبرت الجهود الدولية على أن تسعى إلى حماية الطفل والدفاع عن حقوقه من خلال عديد من الاتفاقيات والوثائق الدولية والمحلية التي توفر للطفل الحماية وتدعم حقوقه الإنسانية بشكل عام، وذلك بعد أن تبيّن تعرض الأطفال في جميع أنحاء العالم للكثير من الانتهاكات نتيجة ضعف دور الأسرة وقيام عديد من البدائل لرعايته والتي كانت سبباً -مع غيرها من الأسباب - في تفشي ظاهرة العنف ضد الأطفال من استغلال جنسي وبدني واقتصادي مع انتشار الصراعات المسلحة والحروب والاحتلال، ما عرض الأطفال وذويهم للقتل والتشريد وغير ذلك من الانتهاكات اللاإنسانية التي يتعرض لها الأطفال. ولهذا صيغ عديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفل وكان أهمها: -
1 - اتفاقية حقوق الطفل عام 1989م ويتبعها إعلان حقوق الطفل عام 1990م.
2- وثيقة عالم جدير بالأطفال.
وقد حرصت هذه الاتفاقيات على وضع أسس قانونية دولية لحماية الطفل واحترام كرامة جميع الأطفال وتقديم أقصى قدر لهم من العناية والرعاية والحماية.
وتضم هذه الاتفاقيات عديدا من الإيجابيات كحصر مشكلات جميع الأطفال على مستوى العالم ثم وضع ضوابط قانونية وآليات تنفيذية وإجراءات وتدابير حاسمة للقضاء على هذه المشكلات.
أ - من ذلك ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل الدولية وفيها:
1 - حماية الطفل من جميع أشكال التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي...
2 - احترام مسؤوليات حقوق وواجبات الوالدين أو المسؤولين عنه قانونا وتوجيه الإرشاد للطفل عند ممارسة حقوقه.
3 - حق الطفل الأصيل في الحياة، وفي البقاء والنمو والهوية والجنسية واسمه وصلاته العائلية.
4 - عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما.
5 - حق الطفل في التعبير وطلب المعلومات والأفكار وإذاعتها.
6 - حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية والعقلية والإهمال.
7 - الرعاية الصحية بخفض عدد وفيات الرضع ومن دون الخامسة ومكافحة الأمراض وسوء التغذية.
8 - حق الطفل في التعليم وأن يكون موجها لتنمية شخصيته وقدراته العقلية والبدنية وتنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
9 - وقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة أو المؤثرة على العقل.
10 - حمايتهم من كافة أشكال الاستغلال الجنسي والدعارة وغير ذلك من الممارسات غير المشروعة.
وقد حازت هذه الاتفاقية موافقة معظم الدول، لأنها تعطي مساحة للثقافات الأخرى كي تقدم بدائلها.
ب‌ - (وثيقة عالم جدير بالأطفال) التي من أهدافها الإيجابية:
1 - القضاء على الفقر وإعمال حقوق الأطفال والقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال.
2 - توفير الرعاية الصحية لهم ومكافحة الأمراض المعدية والتصدي لأمراض سوء التغذية وتربية الأطفال في بيئة آمنة تمكنهم من أن يكونوا أصحاء بدنيًا ويقظين ذهنيًا ومستقرين عاطفيًا وأكفاء اجتماعياً وقادرين على التعليم.
3 - إتاحة التعليم لكل طفل (بنين - بنات) تعليم ابتدائي مجاني وإلزامي، وأن يكون جيد النوعية.
4 - حماية الأطفال من الأذى والاستغلال أو جميع أشكال الإرهاب واحتجاز الرهائن.
5 - الاستماع إلى الأطفال وكفالة مشاركتهم واحترام حقهم في التعبير عن أنفسهم في الأمور التي تخصهم.
6 - حماية الأرض من أجل الأطفال وتقليل آثار الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي.
ومجمل الرعاية المقدمة من هذه الوثائق يدعو إلى توفير سبل الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والتثقيفية للأطفال والقضاء على الفوارق بين الجنسين في إطار الحصول على فرص متكافئة في مجالات الرعاية المختلفة ،والحصول على الخدمات الأساسية والمجتمعية بصور متكافئة، والنص على دعم أطفال الشوارع والمشردين واللاجئين والمتعرضين للاتجار والاستغلال الجنسي أو الاقتصادي وأطفال السجون بدور رعاية المعوقين. أيضا نصت هذه الاتفاقيات على تعزيز مسؤولية الأسرة والوالدين بصفة خاصة, والقضاء على التمييز على أساس العرق وبين أطفال الريف والحضر والأغنياء والفقراء والأصحاء وأصحاب العاهات.
ومن دراسة قيّمة نشرت من قِبل اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل برئاسة المهندسة كاميليا حلمي التي تعد من الناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة والطفل في عالمنا الإسلامي من تناقضات بعض مواد هذه الاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة أو الطفل تحت مظلة الأمم المتحدة. نجد هذه الاتفاقيات رغم أهميتها وقعت في الكثير من الإشكاليات وبعض السلبيات الخطيرة، منها ما هو متناقض على مستوى نصوص الاتفاقية، ومنها ما هو خاص بالمصطلحات الواردة بها، ومنها ما يتعلق بتحديد مشكلات الطفل على مستوى كل دولة، وإهمال الخصوصيات الفكرية والثقافية والدينية للشعوب . تابع

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي