أزمة الكهرباء: وإن "الصيف" لناظره قريب!

التسعير الحكومي وأزمة الكهرباء في كاليفورنيا
عانت كاليفورنيا، التي تعد خامس أكبر اقتصاد في العالم لو كانت دولة مستقلة، من انقطاع التيار الكهربائي في صيف عام 2000، في الوقت الذي ارتفعت فيه تكاليف الكهرباء التي تدفعها شركات توزيع الكهرباء بعدة أضعاف خلال فترة قصيرة من الزمن. وعلى الرغم من وجود أسباب عدة لأزمة الكهرباء، إلا أن السبب الرئيس هو تدخل الحكومة في التسعير، حيث تمت إعادة هيكلة قطاع الكهرباء وتحرير كافة قطاعاته ماعدا التوزيع. نتج عن ذلك أنه يمكن للشركات المنتجة للكهرباء أن تبيع الكهرباء بسعر السوق، وتشتريه شركات التوزيع بسعر السوق، إلا أن السعر الذي يدفعه المستهلك النهائي محدد من قبل الحكومة. ويذكرنا هذا بأزمة المحروقات التي عانت منها دولة الإمارات منذ فترة، حيث قامت شركات التوزيع بدفع السعر العالمي للنفط، الذي كان مرتفعا، ولكن عليها بيع المشتقات النفطية للمستهلك النهائي بسعر أقل حددته الحكومة، الأمر الذي نتجت عنه خسائر مالية ضخمة.
وعند إقرار قانون التسعير أعلنت حكومة ولاية كاليفورنيا أن سبب إقرار القانون بهذا الشكل هو "حماية المستهلك"، ولكن نتائجه لم تقتصر على انقطاع الكهرباء فقط، ولكن امتدت إلى مقتل كثير من الناس، وزيادة الديون على حكومة الولاية، التي أسهمت بدورها في كون كاليفورنيا على حافة الإفلاس حاليا.
نتج عن تدخل الحكومة في تسعير الكهرباء بأقل من تكلفتها زيادة الطلب على الكهرباء وإلغاء حوافز الاستثمار وزيادة الطاقة الإنتاجية. استمر الطلب على الكهرباء بالارتفاع في وقت لم يعد العرض المحلي كافيا، فاضطرت الشركات لاستيراد الكهرباء من الولايات الأخرى، فارتفعت الأسعار. المشكلة أن شركات التوزيع في كاليفورنيا لم تتمكن من رفع السعر بسبب التسعير الحكومي، فحققت خسائر ضخمة وأشرفت على الإفلاس. ولأن الكهرباء مصدر حيوي لكل شيء، اضطرت الحكومة إلى الاستدانة وتقديم إعانات لشركات التوزيع، الأمر الذي جعل الطلب يستمر في الزيادة، وجعل الأسعار التي تدفعها شركات التوزيع للكهرباء المستوردة من ولايات أخرى ترتفع بشكل جنوني، الأمر الذي استلزم المزيد من الإعانات الحكومية. ورغم ذلك، انقطعت الكهرباء. الحل كان بسيطا منذ البداية: لو ألغت الحكومة التسعير الحكومي، أو رفعت تعرفة الكهرباء، لانخفض الطلب، وانخفضت الخسائر، وانخفضت الإعانات. وربما لم تشرف الولاية على الإفلاس حاليا.
المضحك في الأمر أن السياسيين والمشرّعين الذين أقروا قانون التسعير قالوا إن هدفهم هو إعانة عامة الناس، وأنهم أقروا القانون في فترة توافر في فائض في توليد الكهرباء في كاليفورنيا، وأنهم لم يدركوا أنه في حالة العجز ستقوم شركات من خارج الولاية بالتحكم في الأسعار. أقول "من المضحك" إن أكثر الناس استهلاكا للكهرباء، وبالتالي استفادة من السعر المنخفض هم الأغنياء وممثلو هوليوود، وليس المستهلك الفقير، ولأنه في حالة الفائض ليس هناك حاجة إلى التسعير الحكومي لأن الأسعار ستكون منخفضة، ولأنه من المعروف أن الشركات التي لديها فائض في طاقة توليد الكهرباء في فترة الصيف محدودة جدا، وبالتالي فإنها ستتحكم في الأسعار. باختصار، التسعير الحكومي أدى إلى انقطاع الكهرباء، وأسهم في تعزيز القوة الاحتكارية للشركات التي لديها طاقة إنتاجية فائضة.

أزمة الكهرباء في الصين
ما زالت المدن الصينية تعاني من عجز في الكهرباء، إلا أن العجز في عام 2004 بالذات كان كبيراً وأثّر بشكل سلبي في الاقتصاد الصيني. ويعود هذا العجز إلى التسعير الحكومي للكهرباء بأقل من سعر السوق من جهة، وقيام الحكومة بتحديد كميات الكهرباء التي يمكن للشركات والمصانع استخدامها من جهة أخرى. ونظرا لندرة الكهرباء منذ أواخر التسعينيات، ترددت الشركات العالمية في الانتقال إلى الصين، إلا أن الحكومة الصينية تداركت الأمر وضمنت إمدادات الكهرباء بكميات اعتمدت على القوة التفاوضية للشركات. فبعضها حصل على إمدادات كاملة، وبعضها حصل على إمدادات جزئية. ونظرا لوجود عجز في الإمدادات فلم يكن هناك خيار أمام الحكومة الصينية سوى أن تجبر الشركات والمصانع الصينية على تخفيض استهلاكها حتى تتمكن من الوفاء بوعودها للشركات الأجنبية. واتخذت الحكومة إجراءات مشددة منها تحديد ساعات العمل في المصانع حتى وصل الأمر إلى قصر العمل على يومين فقط في الأسبوع، كما أجبرت بعض المصانع على العمل في عطلة نهاية الأسبوع فقط. المشكلة أن هذه الشركات والمصانع الصينية وقعت عقودا مع شركات في أنحاء العالم كافة لتمويلها بمنتجاتها، وإجبار الحكومة لها على العمل يومين فقط يخل بعقودها من جهة، وقد تخسر زبائنها من جهة أخرى. نتج عن هذا الوضع قيام الشركات والمصانع الصينية بشراء مولدات كهرباء خاصة، وبدأوا بتوليد الكهرباء التي يحتاجون إليها. المشكلة الأخرى أن هذه المولدات تحتاج إلى ديزل، الأمر الذي أسهم، إضافة إلى عوامل أخرى، في زيادة طلب الصين على النفط، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط في عام 2004! وما الانخفاض في معدلات الزيادة في الطلب الصيني على النفط بعد ذلك إلا نتيجة بناء محطات توليد جديدة من جهة، وتوقف المصانع عن استخدام المولدات الخاصة من جهة أخرى. ويعود توقف المصانع عن استخدام المولدات الخاصة إلى استمرار أسعار النفط في الارتفاع، وعدم قدرة المولدات الخاصة على توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل الآلات وأجهزة التكييف في الوقت نفسه، خاصة بعد أن هددت الحكومة المصانع التي لا تشغل أجهزة التكييف خلال أشهر الصيف بإغلاقها تماما. (للعمال حق العمل في مصنع مكيف، حتى في الصين)!
خلاصة الأمر، هل دول الخليج مقبلة على مشكلات مماثلة؟ وهل سيؤدي التوليد الخاص للكهرباء في بعض الإمارات الخليجية إلى زيادة استهلاك النفط في دول الخليج؟ وإن "الصيف" لناظره قريب!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي