لماذا لا تدعم الحكومة النقل الجوي؟

صناعة النقل الجوي انطلقت متعثرة، والمستثمرون الذين دخلوا في الصناعة لم تكن حساباتهم دقيقة لتكاليف التشغيل والصيانة، وواجهتهم حقائق جديدة على أرض الواقع عن الإمكانات المتاحة في المطارات، والحكومة تركتهم يواجهون ظروفهم، فالسياسات الحكومية غير واضحة، داعمة بالنيّات والأمنيات الطيبة وغير داعمة على أرض الواقع.
صناعة النقل في العالم معروف أنها لن تكون رابحة إلا إذا توافرت لها ظروف مثالية عديدة، وإذا تقرر أن تكون رابحة بآلياتها فقط وتُركت لعوامل السوق، فإن ربحها سيكون على حساب أساسيات منها (السلامة) وجودة الخدمة، وسعة الانتشار، وأمور أخرى تندرج بالأهمية، أي المحصلة النهائية ستكون (خدمة سيئة!).
في المملكة ربما نتفق على أن ثمة ظروفا فنية موضوعية تحول دون وجود شركات طيران خاصة تستطيع أن تعمل بكفاءة وبأسعار معقولة وتكون رابحة، وتجربة الشركتين اللتين دخلتا الخدمة ولم توفقا فيها وتكبدتا خسائر متلاحقة تقدم مثالا حيا على أن صناعة النقل الجوي أمامها تحديات عديدة تتطلب جهدا مشتركا وتعاونا بين الشركات والمؤسسات الحكومية التي يهمها نجاح الخدمة دون إضرار بالمستثمرين ودون ضرر ومعاناة للناس.
السنتان الأخيرتان كانتا حافلتين بالمعاناة للناس، وكانت مفارقة أن يزدهر النقل البري مع توسع فرص الطيران المدني، فالمرضى من الناس والطلاب وأصحاب الأعمال عادوا يكتشفون الطرق البرية ويكتشفون أيضا ضعفهم أمام هذه الظروف الجديدة، وهكذا وجدنا أنفسنا إزاء نافذة جديدة فُتحت للتذمر الاجتماعي!
المملكة بلد بحجم قارة، تتوزع تجمعاته السكانية في مناطق متباعدة، وكلنا يعرف أن خيارات النقل محدودة والطرق مازالت تفتقر للخدمات الضرورية للسفر البعيد، كما أن المناطق النائية تفتقد الخدمات المتخصصة في الصحة والتعليم، واقتصادات المناطق البعيدة مازالت ضعيفة في توفير فرص العمل والتجارة، وهذا الوضع رفع الطلب على السفر إلى مناطق الاستقطاب السكاني التقليدية.
هذه الظروف تستدعي أن تتدخل الدولة لدعم صناعة النقل، فالعائد من الدعم لن يكون محصورا في المستثمرين، بل له إيجابياته الإنسانية والاجتماعية، وله أثره غير المباشر في مجمل النشاط الاقتصادي، وأيضا له عائده الإيجابي على صورة مجتمعنا، فخدمات النقل مؤشر على التقدم والرخاء الاجتماعي، ولن يكون منطقيا أن نتحدث عن التنمية الاجتماعية المستدامة والرفاه الاجتماعي ونحن ما زلنا نعاني اختلالات رئيسة في خدمات النقل التي تكون متيسرة للناس وتخدم حاجاتهم الإنسانية الأساسية.
لماذا لا تدعم الحكومة هذه الصناعة؟
أرجو أن يكون هذا سؤالا منطقيا وواقعيا، فالحكومة تدعم أمورا كثيرة، بل الأزمة المالية العالمية الحالية تعيد الآن بقوة دور الدولة لإدارة النشاط الاقتصادي وتحفيزه. والآن الحكومة تدعم وتؤسس صناعة القطارات وهذا توجه ومؤشر على إيجابية السياسات الحكومية تجاه الأنشطة ذات الأثر المتعدي اجتماعيا، وذات القيمة المضافة للنشاط الاقتصادي الكلي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي